للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَرِيكَةً [١] ، وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً [٢] هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ أَحَبَّهُ، يَقُولُ نَاعِتُهُ: لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ عَنْ مَسْرَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) :

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ أُمِّ هَانِئِ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَاسْمُهَا هِنْدٌ، فِي مَسْرَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ:

مَا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا وَهُوَ فِي بَيْتِي، نَامَ [٣] عِنْدِي تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي بَيْتِي، فَصَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ نَامَ وَنِمْنَا، فَلَمَّا كَانَ قُبَيْلَ الْفَجْرِ أَهَبَّنَا [٤] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا صَلَّى الصُّبْحَ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، قَالَ: يَا أُمَّ هَانِئٍ، لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَكُمْ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ كَمَا رَأَيْتِ بِهَذَا الْوَادِي، ثُمَّ جِئْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَصَلَّيْتُ فِيهِ، ثُمَّ قَدْ صَلَّيْتُ صَلَاةَ الْغَدَاةِ مَعَكُمْ الْآنَ كَمَا تَرَيْنَ، ثُمَّ قَامَ لِيَخْرُجَ، فَأَخَذْتُ بِطَرَفِ رِدَائِهِ، فَتَكَشَّفَ عَنْ بَطْنِهِ كَأَنَّهُ قُبْطِيَّةٌ [٥] مَطْوِيَّةٌ، فَقُلْتُ لَهُ:

يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَا تُحَدِّثْ بِهَذَا النَّاسَ فَيُكَذِّبُوكَ وَيُؤْذُوكَ، قَالَ: وَاَللَّهِ لِأُحَدِّثَنَّهُمُوهُ.

قَالَتْ: فَقُلْتُ لِجَارِيَةٍ لِي حَبَشِيَّةٍ: وَيْحَكَ اتْبَعِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَسْمَعِي مَا يَقُولُ لِلنَّاسِ، وَمَا يَقُولُونَ لَهُ. فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى النَّاسِ أَخْبَرَهُمْ، فَعَجِبُوا وَقَالُوا: مَا آيَةُ ذَلِكَ يَا مُحَمَّدُ؟ فَإِنَّا لَمْ نَسْمَعْ بِمِثْلِ هَذَا قَطُّ، قَالَ: آيَةُ ذَلِكَ أَنِّي مَرَرْتُ بِعِيرِ بَنِي فُلَانٍ بِوَادِي كَذَا وَكَذَا، فَأَنْفَرَهُمْ حسّ الدابّة، فندلّهم بَعِيرٌ، فَدَلَلْتُهُمْ عَلَيْهِ، وَأَنَا مُوَجَّهٌ إلَى الشَّامِ. ثُمَّ أَقْبَلْتُ حَتَّى إذَا كُنْتُ بِضَجَنَانَ [٦] مَرَرْتُ بِعِيرِ بَنِي فُلَانٍ، فَوَجَدْتُ الْقَوْمَ نِيَامًا، وَلَهُمْ إنَاءٌ فِيهِ مَاءٌ قَدْ غَطَّوْا عَلَيْهِ بِشَيْءِ، فَكَشَفْتُ غِطَاءَهُ وَشَرِبْتُ مَا فِيهِ،


[١] العريكة (فِي الأَصْل) : لحم ظهر الْبَعِير، فَإِذا لانت سهل ركُوبه. يُرِيد أَنه أحْسنهم معاشرة.
[٢] بديهة: ابْتِدَاء.
[٣] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «نَائِم» .
[٤] أهبنا: أيقظنا.
[٥] الْقبْطِيَّة (بِالضَّمِّ وتكسر) : ثِيَاب من كتَّان تنسج بِمصْر منسوبة إِلَى القبط على غير قِيَاس.
[٦] ضجنَان (بِالتَّحْرِيكِ) : جبل بِنَاحِيَة تهَامَة، وَيُقَال: هُوَ على بريد من مَكَّة. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ:
بَين ضجنَان وَمَكَّة خَمْسَة وَعِشْرُونَ ميلًا.