للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَيْهِمْ- عَالِمَانِ رَاسِخَانِ فِي الْعِلْمِ، حِينَ سَمِعَا بِمَا يُرِيدُ مِنْ إهْلَاكِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِهَا، فَقَالَا لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّكَ إنْ أَبَيْتَ إلَّا مَا تُرِيدُ حِيلَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا، وَلَمْ نَأْمَنْ عَلَيْكَ عَاجِلَ الْعُقُوبَةِ، فَقَالَ لَهما: وَلم ذَاك؟ فَقَالَا: هِيَ مُهَاجَرُ نَبِيٍّ يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْحَرَمِ مِنْ قُرَيْشٍ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، تَكُونُ دَارَهُ وَقَرَارَهُ، فَتَنَاهَى عَنْ ذَلِكَ، وَرَأَى أَنَّ لَهُمَا عِلْمًا، وَأَعْجَبَهُ مَا سَمِعَ مِنْهُمَا، فَانْصَرَفَ عَنْ الْمَدِينَةِ، وَاتَّبَعَهُمَا عَلَى دِينِهِمَا، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ غَزِيَّةَ بْنِ عَمْرِو (ابْنِ عَبْدِ) [١] بْنِ عَوْفِ بْنِ غُنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ يَفْخَرُ بِعَمْرِو بْنِ طَلَّةَ:

أَصَحَّا أَمْ قَدْ نَهَى ذُكَرَهْ [٢] ... أَمْ قَضَى مِنْ لَذَّةٍ وَطَرَهْ

أَمْ تَذَكَّرْتَ الشَّبَابَ وَمَا ... ذِكْرُكَ الشَّبَابَ أَوْ عُصُرَهْ [٣]

إنَّهَا حَرْبٌ رَبَاعِيَةٌ [٤] ... مِثْلُهَا أَتَى الْفَتَى عِبَرَهْ

فَاسْأَلَا عِمْرَانَ أَوْ أَسَدًا ... إذْ أَتَتْ عَدْوًا [٥] مَعَ الزُّهَرَهْ [٦]

فَيْلَقٌ فِيهَا أَبُو كَرِبٍ ... سُبَّغٌ أَبْدَانُهَا ذَفِرَهْ [٧]

ثُمَّ قَالُوا: مَنْ نَؤُمُّ بِهَا ... أَبَنِي عَوْف أَن النَّجَرَهْ [٨]


[١] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ.
[٢] الذّكر: جمع ذكرة (كغرفة) ، وَهِي بِمَعْنى الذكرى نقيض النسْيَان وَرِوَايَة هَذَا الشّطْر فِي الطَّبَرِيّ: أَصْحَاب أم انْتهى ذكره.
[٣] أَرَادَ: «أَو عصره» (بِالضَّمِّ) . وَالْعصر (بِفَتْح الْعين وَضمّهَا) بِمَعْنى، وحرك الصَّاد بِالضَّمِّ.
قَالَ ابْن جنى: وَلَيْسَ شَيْء على وزن فعل (بِسُكُون الْعين) يمْتَنع فِيهِ فعل.
[٤] يُرِيد: أَي لَيست بصغيرة وَلَا جَذَعَة، بل هِيَ فَوق ذَلِك، وَضرب من الرّبَاعِيّة مثلا، كَمَا يُقَال حَرْب عوان، لِأَن الْعوَان أقوى من الْفتية وأدرب.
[٥] ويروى: «غدوا» (بالغين الْمُعْجَمَة) ، وَهُوَ الغدوة.
[٦] أَي صبحهمْ بِغَلَس قبل مغيب الزهرة، والزهرة: الْكَوْكَب الْمَعْلُوم. وَرِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي الطَّبَرِيّ
فسلا عمرَان أَو فسلا ... أسدا إِذْ يَغْدُو مَعَ الزهرة
[٧] سبغ: كَامِلَة. والأبدان هُنَا: الدروع. وذفره: من الذفر، وَهُوَ سطوع الرَّائِحَة طيبَة كَانَت أَو كريهة، وَأما الدفر (بِالدَّال الْمُهْملَة) فَهُوَ فِيمَا كره من الروائح.
[٨] يُرِيد بنى النجار، وَهَذَا كَمَا قيل المناذرة فِي بنى الْمُنْذر. والنجرة: جمع ناجر، والناجر والنجار بِمَعْنى وَاحِد، وَبَنُو النجار: هم تيم الله بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن الْخَزْرَج وسمى النجار لِأَنَّهُ- فِيمَا ذكر- نجر وَجه رجل بقدوم.