للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(إسْلَامُ ابْنِ حِزَامٍ) :

فَلَمَّا نَزَلَ النَّاسُ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ حَتَّى وَرَدُوا حَوْضَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُوهُمْ. فَمَا شَرِبَ مِنْهُ رَجُلٌ يَوْمَئِذٍ إلَّا قُتِلَ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ، ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَحَسُنَ إسْلَامُهُ. فَكَانَ إذَا اجْتَهَدَ فِي يَمِينِهِ، قَالَ: لَا وَاَلَّذِي نَجَّانِي مِنْ يَوْمِ بَدْرٍ.

(تَشَاوُرُ قُرَيْشٍ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الْقِتَالِ) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي أَبِي إسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالُوا: لَمَّا اطْمَأَنَّ الْقَوْمُ، بَعَثُوا عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ الجُمَحِيُّ فَقَالُوا: احْزُرُوا [١] لَنَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ، قَالَ: فَاسْتَجَالَ بِفَرَسِهِ حَوْلَ الْعَسْكَرِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِمْ، فَقَالَ: ثَلَاث مائَة رَجُلٍ، يَزِيدُونَ قَلِيلًا أَوْ يَنْقُصُونَ، وَلَكِنْ أَمْهِلُونِي حَتَّى أَنْظُرَ أَلِلْقَوْمِ كَمِينٌ أَوْ مَدَدٌ؟ قَالَ: فَضَرَبَ فِي الْوَادِي حَتَّى أَبْعَدَ، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَرَجَعَ إلَيْهِمْ فَقَالَ: مَا وَجَدْتُ شَيْئًا، وَلَكِنِّي قَدْ رَأَيْتُ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، الْبَلَايَا [٢] تَحْمِلُ الْمَنَايَا، نَوَاضِحُ [٣] يَثْرِبَ تَحْمِلُ الْمَوْتَ النَّاقِعَ [٤] ، قَوْمٌ لَيْسَ مَعَهُمْ مَنَعَةٌ وَلَا مَلْجَأٌ إلَّا سُيُوفُهُمْ، وَاَللَّهِ مَا أَرَى أَنْ يُقْتَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، حَتَّى يَقْتُلَ رَجُلًا مِنْكُمْ، فَإِذَا أَصَابُوا مِنْكُمْ أَعْدَادَهُمْ فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بَعْدَ ذَلِكَ؟ فَرُوا رَأْيَكُمْ.

فَلَمَّا سَمِعَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ذَلِكَ مَشَى فِي النَّاسِ، فَأَتَى عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، فَقَالَ:

يَا أَبَا الْوَلِيدِ، إنَّكَ كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيِّدُهَا، وَالْمُطَاعُ فِيهَا، هَلْ لَكَ إلَى أَنْ لَا تَزَالَ تُذْكَرُ فِيهَا بِخَيْرِ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ يَا حَكِيمُ؟ قَالَ: تَرْجِعُ بِالنَّاسِ، وَتَحْمِلُ أَمْرَ حَلِيفِكَ عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، أَنْتَ عَلَيَّ بِذَلِكَ، إنَّمَا هُوَ حَلِيفِي، فَعَلَيَّ عَقْلُهُ وَمَا أُصِيبَ مِنْ مَالِهِ، فَأْتِ ابْنَ الْحَنْظَلِيَّةِ.


[١] الحزر: التَّقْدِير بالحدس وَالظَّن.
[٢] البلايا: جمع بلية، وَهِي النَّاقة أَو الدَّابَّة ترْبط على قبر الْمَيِّت فَلَا تعلف وَلَا تسقى حَتَّى تَمُوت،.
وَكَانَ بعض الْعَرَب مِمَّن يقر بِالْبَعْثِ يَقُول: إِن صَاحبهَا يحْشر عَلَيْهَا.
[٣] النَّوَاضِح: الْإِبِل الَّتِي يستقى عَلَيْهَا المَاء.
[٤] الناقع: الثَّابِت الْبَالِغ فِي الإفناء.