للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِي أَمْرِ الْحَبَشَةِ بِالْيَمَنِ أَبْرَهَةُ الْحَبَشِيُّ- (وَكَانَ فِي جُنْدِهِ) -[١] حَتَّى تَفَرَّقَتْ الْحَبَشَةُ عَلَيْهِمَا. فَانْحَازَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَائِفَةٌ مِنْهُمْ، ثُمَّ سَارَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ، فَلَمَّا تَقَارَبَ النَّاسُ أَرْسَلَ أَبْرَهَةُ إلَى أَرْيَاطَ: إنَّكَ لَا تَصْنَعُ بِأَنْ تَلْقَى الْحَبَشَةُ بَعْضُهَا بِبَعْضِ حَتَّى تَفِنِيهَا شَيْئًا فَابْرُزْ إلَيَّ وَأَبْرُزُ إلَيْكَ، فَأَيُّنَا أَصَابَ صَاحِبَهُ انْصَرَفَ إلَيْهِ جُنْدُهُ.

فَأرْسل إِلَيْهِ أرباط: أَنْصَفْتَ فَخَرَجَ إلَيْهِ أَبْرَهَةُ، وَكَانَ رَجُلًا قَصِيرًا (لَحِيمًا [٢] حَادِرًا) [٣] وَكَانَ ذَا دِينٍ فِي النَّصْرَانِيَّةِ، وَخَرَجَ إلَيْهِ أَرْيَاطُ، وَكَانَ رَجُلًا جَمِيلًا عَظِيمًا طَوِيلًا، وَفِي يَدِهِ حَرْبَةٌ لَهُ. وَخَلَفَ أَبْرَهَةَ غُلَامٌ لَهُ، يُقَالُ لَهُ عَتَوْدَةُ [٤] ، يَمْنَعُ ظَهْرَهُ. فَرَفَعَ أَرْيَاطُ الْحَرْبَةَ فَضَرَبَ أَبْرَهَةَ، يُرِيدُ يَافُوخَهُ [٥] ، فَوَقَعَتْ الْحَرْبَةُ عَلَى جَبْهَةِ أَبْرَهَةَ فَشَرَمَتْ حَاجِبَهُ وَأَنْفَهُ وَعَيْنَهُ وَشَفَتَهُ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَ أَبْرَهَةَ الْأَشْرَمَ، وَحَمَلَ عَتَوْدَةُ عَلَى أَرْيَاطَ مِنْ خَلْفِ أَبْرَهَةَ فَقَتَلَهُ، وَانْصَرَفَ جُنْدُ أَرْيَاطَ إلَى أَبْرَهَةَ، فَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْحَبَشَةُ بِالْيَمَنِ، وَوَدَى [٦] أَبْرَهَةُ أَرْيَاطَ.

(غَضَبُ النَّجَاشِيِّ عَلَى أَبْرَهَةَ لِقَتْلِهِ أَرْيَاطَ ثُمَّ رِضَاؤُهُ عَنْهُ) :

فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ النَّجَاشِيَّ غَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا وَقَالَ: عَدَا عَلَى أَمِيرِي فَقَتَلَهُ بِغَيْر أمرى، ثمَّ حَلَفَ لَا يَدَعُ أَبْرَهَةَ حَتَّى يَطَأَ بِلَادَهُ، وَيَجُزَّ نَاصِيَتَهُ. فَحَلَقَ أَبْرَهَةُ رَأْسَهُ وَمَلَأَ جِرَابًا مِنْ تُرَابِ الْيَمَنِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهِ إلَى النَّجَاشِيِّ، ثُمَّ كَتَبَ إلَيْهِ:

أَيُّهَا الْمَلِكُ: إنَّمَا كَانَ أَرْيَاطُ عَبْدَكَ، وَأَنَا عَبْدُكَ، فَاخْتَلَفْنَا فِي أَمْرِكَ، وَكُلٌّ طَاعَتُهُ لَكَ، إلَّا أَنِّي كُنْتُ أَقْوَى عَلَى أَمْرِ الْحَبَشَةِ وَأَضْبَطَ لَهَا وَأَسْوَسَ مِنْهُ، وَقَدْ حَلَقْتُ رَأْسِي كُلَّهُ حِينَ بَلَغَنِي قَسَمُ الْمَلِكِ، وَبَعَثْتُ إلَيْهِ بِجِرَابِ تُرَابٍ مِنْ أَرْضِي، لِيَضَعَهُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَيَبَرُّ قَسَمُهُ فِيَّ.

فَلَمَّا انْتَهَى ذَلِكَ إلَى النَّجَاشِيِّ رَضِيَ عَنْهُ، وَكَتَبَ إلَيْهِ: أَنْ اُثْبُتْ بِأَرْضِ الْيَمَنِ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي. فَأَقَامَ أَبْرَهَةُ بِالْيَمَنِ.


[١] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ.
[٢] اللحيم: الْكثير لحم الْجَسَد.
[٣] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ. والحادر: السمين الغليظ.
[٤] مَأْخُوذ من العتودة، وَهِي الشدَّة فِي الْحَرْب.
[٥] اليافوخ: وسط الرَّأْس.
[٦] وداه: دفع دِيَته.