للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثالث: إرسال المرسلين بلسان أقوامهم ليعقلوا خطابهم٠

أرسل الله أنبياءه ورسله باللسان الذي يتكلم به المرسل إليهم، حتى يعرفوا خطابه ومراده منه، ولئلا يتعللوا بعدم الفهم له، فكان الإرسال بهذه الطريقة سدا لذريعة تكذيبهم بحجة عدم الفهم عنهم٠ قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ١٠

واختص الله نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بإرساله إلى الناس كافة من العرب والعجم، كما هو مرسل إلى الجن أيضا، ولا حجة لغير العرب في ذلك، لأن الله قيض لدينه من ينشره إلى غير العرب بلسانهم وأقيمت الحجة عليهم بذلك٠

قال القرطبي: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ} أي قبلك يا محمد {إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ} ، أي بلغتهم، ليبينوا لهم أمر دينهم...، ولا حجة للعجم وغيرهم في هذه الآية، لأن كل من ترجم له ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ترجمة يفهمها لزمته الحجة، وقد قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} ٢٠

وقال ابن تميمة:"وأما كون القرآن أنزل باللسان العربي وحده فعنه أجوبة: أحدهما: أن يقال: والتوراه إنما أنزلت باللسان العبري وحده..، وكذلك سائر الكتب لا ينزلها الله إلا بلسان واحد، بلسان الذي أنزلت عليه، ولسان قومه الذين يخاطبهم أولا، وسائر الأنبياء إنما يخاطبون الناس بلسان قومهم الذي يعرفونه أولا، ثم بعد ذلك تبلغ الكتب وكلام الأنبياء لسائر الأمم، إما أن يترجم لمن لا يعرف لسان ذلك الكتاب، وإما بأن يتعلم الناس لسان ذلك الكتاب فيعرفون معانيه"٣٠


١ إبراهيم / آية: ٤.
٢ الجامع لأحكام القرآن جـ٥ / ٣٥٦٩.
٣ الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح جـ١ / ١٨٩.

<<  <   >  >>