للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يا جَيرَةَ الحَي هُبُّوا مِن رُقادِكُمُ ... فَلي حَديثٌ لَه مَعَ سَمعِكُم شُغُلُ

طريق الفضائل مشحونة بالبلاء، ليرجع عنها محنث العزم، إذا نزلت بالحازم بلية فوجد مذاقها مرا، أدار في الفكر حلو العواقب، فنسخ وسخ ما رسخ. العاقل صابر للشدائد لعلمه بقرب الفرج، والجاهل على الضد، كما أن النار إذا اشتعلت في حطب الزيتون لم يدخن، بخلاف السوس، ألا إن الطبع طفل، والعقل بالغ.

وَعاقِبَةُ الصَبرِ الجَميلِِ جَميلَةٌ ... فَلا تَسأَمَنَّ الصَبرَ وَاصبِِر لَعَلَها؟؟.

[الفصل السابع والعشرون]

[الدنيا لا تصلح للتوطن]

إخواني: الدنيا ملتقى الوداع، فاصبروا لما مر منها فكأن قد مر، واحذروا شرها فقد سحرت سحرة بابل، مكارهها في غصون المحبوب وأعقابه، ما أمسى أحد منها في جناح آمن، إلا أصبح على قوادم خوف.

وَكَم سَلَبتُك حَبيباً ... وَأَنتَ عَلى حُبِها أَفيقُ

أُفُقُ قَد أفاقَ الوامِقُونَ وَقَد أَنّى ... لِدائِكَ أَن يَلقى طَبيباً يُلائِمُهُ

أفنيت عمرك في طلبها، وما حصل بيدك إلا ما حصل بيد " المجنون " من " ليلى ".

صَحا كُلَ عَذريِّ الغَرامِ مِنَ الهَوى ... وَأَنتَ عَلى حُكمٍ الصَبابَة نازِلُ

تصحو في المجلس من خمار الدنيا ساعة ثم تستبيك حميا الكاس، وليس في البرق اللامع من مستمتع، لمن يخوض الظلمة، كما أعطف عطفك بلجام اليقظة، فإذا انقضى المجلس عاد الطبع ثاني عطفه.

وتأبى الطباع على الناقل جسمك عندنا، وقلبك غائب عنا، عزمك في طلب الدنيا، وتشتهي نيل الآخرة.

هَواها وَرواها وَالسُّرى من أمامها ... فَهُنّ صَيحاتُ النَواظِرِ حُوّلُ

الدنيان مفازة لا تصلح للتوطن، إن البيدر إذا صفي حمل إلى دار الإقامة.

واعجبا لمن أطال الوقوف على القنطرة حتى نسي اسم البلد، ويحك. كسب الدنيا لذيذ غير أن الحساب عليها شديد، ساعة الحمل لعب، والجد في الولادة. نثار السكر في مبدأ العقد. مزاج لمرارة الوضع. الدنيا كامرأة فاجرة لا تثبت مع زوج فلذلك عيب طلابها.

مَيَزَت بَينَ جَمالِها وَفَعالِها ... فَإِذا المَلاحَةُ بِالخِيانَةِ لا تَفي

حَلَفتُ لَنا أَن لا تَخونَ عُهودَها ... فَكَأَنَما حَلَفتَ لَنا أَن لا تَفي

الدنيا قنطرة على بحر الهلاك، فخذوا بالحزم في تعلم السباحة قبل الجواز، فما تأمن عثور قدم ولا عاصف قاصف، احذرها آمن ما تكون منها، وانتظر حزنها أسر ما تكون منها.

إِذا رَأَيتَ نيوبَ اللَيثِ بارِزَةً ... فَلا تَظُنّنَّ أَن اللَيثَ يَبتَسِمُ

الدنيا دار ابتلاء تشبه قصر مصر، استبق لاباب فيها " يوسف " الصبر، و " زليخا " الهوى، وقمص الأعمال تعرض على " يعقوب " الشفاعة، فمن رأى قميصه قد قد من قبل قال: سحقا سحقا، ومن رأه قد قد من دبر قال: ادخرت شفاعتي.

فيامن قد ألقاه الهوى في جب حب الدنيا، سيارة القدر تبعث كل ليلة وارد: (هَل مِن سائِل؟ " فكن متيقظا للوارد إذا أدلى دلو التخليص، وقم على قدم (تَتَجافَى) وامدد أنامل (يَدعونَ رَبَهُم) وألق ما في يمينك لتتعجل الخروج، ولا تتشبث بأرجاء بئر الهوى، فإنها رمل تنهار عليك، فإذا تخلصت بعزائمب الإنابة فاحذر من الطريق المسبعة، وسر في مصباح اليقين خلف دليل الهوى: فعند الصباح يحمد القوم السرى.

[الفصل الثامن والعشرون]

[اقترب للناس حسابهم]

صاح بالصحابة واعظ (اِقتَرَبَ لِلناسِ حِسابُهُم) فجزعت للخوف قلوب، فجرت للحزن عيون (فَسالَت أَودِيَةُ بِقَدَرِها) .

رمى " الصديق " ماله حتى ثوبه على " المدكر " وتخلل بالعبا، وقال " عمر ": ليتني كنت نبة؟؟ وقال عثمان: ليتني إذا مت لا أبعث.

صاح " علي " بالدنيا: طلقتك ثلاثا لا رجعة لي فيك، وقد كانت تكفي واحدة، لكنه كيلا يتصور الهوى جواز المراجعة، وطبعه الكريم يأنف من المحلل.

وقال: " أبو الدرداء ": ليتني كنت شجرة تعضد.

وقال " عمران بن حصين " ليتني كنت رمادا.

أنت تسمع القرآن لكن لا كما سمعوه.

لَو يَسمَعونَ كَما سَمِعتُ كَلامَها ... خَرَّوا لِعِزَّةَ رُكَّعاً وَسُجوداً

<<  <   >  >>