للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الفصل السادس عشر]

يا تائها في الضلال بلا دليل ولا زاد، متى يوقظك منادي الرحيل فترحل عن الأموال والأولاد؟ قل لي: متى تتيقّظ وماضي الشباب لا يعاد، ويحك كيف تقدم على سفر الآخرة بلا زاد ولا راحلة. ستندم إذ حان الرحيل، وأمسيت مريضا تقاد، ومنعت التصرف فيما جمعت، وقطعت الحسرات منك الأكباد، فجاءتك السكرات، ومنع عنك العوّاد، وكفنت في أخصر الثياب، وحملت على الأعواد، وأودعت في ضيق لحد وغربة ما لها من نفاذ، تغدو عليك الحسرات وتروح إلى يوم التناد، ثم بعده أهوال كثيرة، فيا ليتك لمعاينتها لا تعاد.

فاغتنموا بضائع الطاعات، فبضائع المعاصي خاسرة {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ} القيامة ٢٠ـ٢١.

وأنشدوا:

احذر دنياك وغرّتها ... واحذر إن تبد لها طلبا

تبغى ودّا ممن قدما ... لك قد قتلت أمّا وأبا

وعلى الجيران فقد جارت ... كلا قهرت أولت عطبا

كم من ملك ذي مملكة ... قد مال لها سكرا وصبا

أضحى في اللحد ومقعده ... بتراب اللحد قد احتجبا

اطلب مولاك ودع دنياك ... ففي أخراك ترى عجبا

كم من قصر قد شيد بنا ... بالموت وها أضحى خربا

يا طالبها لا تله بها ... كم من تاه ملك غضبا

أين الماضون قد سكنوا ... لحدا فردا خربا تربا

كانوا ومضوا ثم انقرضوا ... فتأدب أنت بهم أدبا

<<  <   >  >>