للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ يُونُسَ عَنْهُ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَا أَكَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خِوَانٍ) الْمَشْهُورُ فِيهِ كَسْرُ الْمُعْجَمَةِ، وَيَجُوزُ ضَمُّهَا، وَهُوَ الْمَائِدَةُ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا طَعَامٌ، وَفِيهِ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ، وَهِيَ إِخْوَانٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ، وَلَعَلَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ الْإِخْوَانِ وَالْأَصْحَابِ عِنْدَهَا، وَحَوْلَهَا وَقِيلَ: سُمِّيَ خِوَانًا ; لِأَنَّهُ يُتَخَوَّنُ مَا عَلَيْهِ أَيْ يُنْتَقَصُ.

وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْخِوَانُ مَا يُوضَعُ عَلَيْهِ الطَّعَامُ عِنْدَ الْأَكْلِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُطْلَقُ الْخِوَانُ فِي الْمُتَعَارَفِ عَلَى مَا لَهُ أَرْجُلٌ، وَيَكُونُ مُرْتَفِعًا عَنِ الْأَرْضِ وَاسْتِعْمَالُهُ لَمْ يَزَلْ مِنْ دَأْبِ الْمُتْرَفِينَ، وَصَنِيعِ الْجَبَّارِينَ لِئَلَّا يَفْتَقِرُوا إِلَى خَفْضِ الرَّأْسِ عِنْدَ الْأَكْلِ، فَالْأَكْلُ عَلَيْهِ بِدْعَةٌ، لَكِنَّهَا جَائِزَةٌ (وَلَا فِي سُكُرُّجَةٍ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْكَافِ وَالرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ، وَقَدْ تُفْتَحُ الرَّاءُ، إِنَاءٌ صَغِيرٌ يُؤْكَلُ فِيهِ الشَّيْءُ الْقَلِيلُ مِنَ الْإِدَامِ، وَهِيَ فَارِسِيَّةُ وَأَكْثَرُ مَا يُوضَعُ فِيهَا الْكَوَامِيخُ وَنَحْوُهَا مِمَّا يَشْتَهِي وَيَهْضِمُ، وَقِيلَ: الصَّوَابُ فَتْحُ رَائِهِ ; لِأَنَّهُ مُعَرَّبٌ عَنْ مَفْتُوحِهَا، قَالَ مِيرَكُ: جُمْهُورُ أَهْلِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الرَّاءَ فِي سُكُرُّجَةٍ مَضْمُومَةٌ، وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ مَكِّيٍّ أَنَّهُ صَوَّبَ فَتْحَ الرَّاءِ، وَالْعَرَبُ يَسْتَعْمِلُونَهَا فِي الْكَوَامِيخِ، وَمَا أَشْبَهَهَا مِنَ الْجُوَارِشَاتِ، وَالْمُخَلَّلَاتِ عَلَى الْمَوَائِدِ، حَوْلَ الْأَطْعِمَةِ لِلتَّشَهِّي وَالْهَضْمِ، قِيلَ: لَمْ يَأْكُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السُّكُرُّجَةِ ; لِأَنَّ الْأَكْلَ مِنْهَا مُعْتَادُ أَهْلِ الْكِبْرِ وَالْخُيَلَاءِ، أَوْ أَنَّهُ مِنْ عَلَامَاتِ الْبُخْلِ، انْتَهَى.

وَالْأَظْهَرُ لِأَنَّهُ مِنْ دَأْبِ الْمُتْرَفِينَ وَعَادَةِ الْحَرِيصِينَ عَلَى الْأَكْلِ الْمُفْرِطِينَ (وَلَا خُبِزَ) مَاضٍ مَجْهُولٍ (لَهُ) أَيْ لِأَجْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مُرَقَّقٌ) مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ نَائِبُ الْفَاعِلِ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ مُرَقَّقًا بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ، أَوْ بِتَقْدِيرِ أَعْنِي، فَالْجَارُّ هُوَ النَّائِبُ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ مُلَيَّنٌ مُحَسَّنٌ، كَخُبْزِ الْحُوَّارَى وَشَبَهِهِ، وَقِيلَ: الْخُبْزُ الْمُرَقَّقُ هُوَ الرَّغِيفُ الْوَاسِعُ الرَّقِيقُ، وَيُقَالُ لَهُ الرُّقَاقُ، بِالضَّمِّ كَطَوِيلٍ وَطُوَالٍ، وَهَذَا مَعْنَى مَا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، هُوَ الْخَفِيفُ، وَقِيلَ: هُوَ السَّمِيدُ، وَمَا يُصْنَعُ مِنْهُ الْكَعْكُ وَغَيْرُهُ، قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: وَهُوَ غَرِيبٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ تَرْقِيقَ الْخُبْزِ دَأْبُ أَرْبَابِ التَّكَلُّفِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَرِيئًا مِنَ التَّكَلُّفِ وَالتَّنَعُّمِ، وَظَاهِرُ السِّيَاقِ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْهُ قَبْلَ الْبَعْثَةِ، وَلَا بَعْدَهَا، وَأَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُهُ إِذَا خُبِزَ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ لَكِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ الْآتِي آخِرَ الْبَابِ

أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْهُ مُطْلَقًا، وَيُؤَيِّدُهُ خَبَرُ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ، مَا أَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَغِيفًا مُرَقَّقًا، حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ، وَشَاةً سَمِيطًا بِعَيْنِهِ، حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ، وَالسَّمِيطُ مَا أُزِيلَ شَعْرُهُ، بِمَاءٍ سُخْنٍ وَشُوِيَ بِجِلْدِهِ، وَإِنَّمَا يُفْعَلُ ذَلِكَ بِصَغِيرِ السِّنِّ، كَالسَّخْلَةِ وَهِيَ مِنْ فِعْلِ الْمُتْرَفِينَ، وَفِي مَعْنَاهَا الدَّجَاجَةُ، لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّهُ أَكَلَ الدَّجَاجَةَ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَلَعَلَّهُ يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَرَ السَّمِيطَ فِي مَأْكُولِهِ، إِذْ لَوْ كَانَ غَيْرَ مَعْهُودٍ، لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ تَمَدُّحٌ، انْتَهَى.

وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ حِينِ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا لِلتَّقْيِيدِ ; لِأَنَّهُ قَبْلَ الْبَعْثَةِ ذَهَبَ إِلَى الشَّامِ، وَفِيهِ الْمُرَقَّقُ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَكَلَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا لِبَيَانِ الْوَاقِعِ (قَالَ) أَيْ يُونُسُ (فَقُلْتُ لِقَتَادَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>