للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِغَيْرِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّنْزِيهِ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ مَعَ أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا زَالَتِ الْكَرَاهَةُ بِصَوْمِ يَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لِبَقَاءِ الْعِلَّةِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ بِفَضْلِ الصَّوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ مَا يَجْبُرُ مَا قَدْ يَحْصُلُ مِنْ فُتُورٍ أَوْ تَقْصِيرٍ فِي وَظَائِفِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِسَبَبِ صَوْمِهِ.

فَمَعَ كَمَالِ بُعْدِهِ مَرْدُودٌ بِمَا قَالَهُ الْعَسْقَلَانِيُّ مِنْ أَنَّ الْجُبْرَانَ لَا يَنْحَصِرُ فِي الصَّوْمِ بَلْ يَحْصُلُ بِجَمْعِ الْأَفْعَالِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ إِفْرَادِهِ لِمَنْ عَمِلَ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا يَقُومُ مَقَامَ صِيَامِ يَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ كَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مَثَلًا، وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ انْتَهَى.

وَقَدْ أَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ بِقَوْلِهِ وَصَوْمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِقَوْلِهِ قَلَّمَا كَانَ يُفْطِرُ، وَيَكْفِي لِبَيَانِ الْجَوَازِ صَوْمُهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ ثُمَّ اسْتِقْبَالُ كُلِّ شَهْرٍ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِحُصُولِ الْبَرَكَةِ، وَوُصُولِ النِّعْمَةِ، وَلِتَقُومَ الثَّلَاثَةُ مَقَامَ الشَّهْرِ بِاعْتِبَارِ الْمُضَاعَفَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) وَكَمَا وَرَدَ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُسَارَعَةَ إِلَى الْخَيْرَاتِ، وَالْمُبَادِرَةَ إِلَى الطَّاعَاتِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْتَحْسَنَاتِ ; فَإِنَّ فِي التَّأْخِيرِ آفَاتٍ، فَلَا يُنَافِي حَدِيثَ عَائِشَةَ كَانَ لَا يُبَالِي مِنْ أَيِّهِ صَامَ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى مَا أَجَابَ عَنْهُ مِيرَكُ بِقَوْلِهِ يُحْتَمَلُ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَجَدَ الْأَمْرَ عَلَى ذَلِكَ بِحَسْبِ

مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ حَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَائِشَةُ اطَّلَعَتْ عَلَى مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ مَعَ أَنَّ الْأَوْجَهَ فِي الْجَمْعِ أَنْ يُقَالَ تَارَةً كَانَ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ، وَأُخْرَى مِنْ وَسَطِهِ وَأُخْرَى مِنْ آخِرِهِ أَوْ يُخَالِفُ فِي كُلِّ شَهْرٍ بَيْنَ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ لِيَحْصُلَ لَهُ بَرَكَةُ الْأَيَّامِ وَلِلْأَيَّامِ جَمِيعًا بَرَكَتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَفْصَةَ.

كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ السَّبْتَ وَالْأَحَدَ، وَالِاثْنَيْنَ مِنْ جُمُعَةٍ، وَالثُّلَاثَاءَ وَالْأَرْبِعَاءَ وَالْخَمِيسَ مِنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى.

مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِغُرَّةِ كُلِّ شَهْرٍ ظُهُورُهُ وَطُلُوعُهُ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى كَوْنِ صِيَامِهِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْقَامُوسِ مِنْ أَنَّ الْغُرَّةَ مِنَ الْهِلَالِ طَلْعَتُهُ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: كُلُّ مَنْ رَآهُ فَعَلَ نَوْعًا ذَكَرَهُ، وَعَائِشَةُ رَأَتْ جَمِيعَ ذَلِكَ، وَأَطْلَقَتْ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُبَالِي مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ صَامَ.

(حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (عَنْ رَبِيعَةَ الْجُرَشِيِّ) بِضَمِّ جِيمٍ، وَفَتْحِ رَاءٍ فَشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَوْضِعٌ بِالْيَمَنِ (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ) وَفِي نُسْخَةٍ رَسُولُ اللَّهِ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَحَرَّى) مِنَ التَّحَرِّي هُوَ طَلَبُ الْحَرَى أَوِ الْأَحْرَى بِحَسْبِ الظَّنِّ الْغَالِبُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا أَيْ: كَانَ يَقْصِدُ (صَوْمَ الِاثْنَيْنِ) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ أَيْ: صَوْمَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ (وَالْخَمِيسِ) وَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَتُصُحِّفَ الصَّوْمُ بِالْيَوْمِ عَلَى ابْنِ حَجَرٍ فَقَالَ: يَوْمُ الِاثْنَيْنِ مِنْ إِضَافَةِ الْمُسَمَّى إِلَى الِاسْمِ، وَفِيهِ أَنَّ إِضَافَةَ الْعَامِّ إِلَى الْخَاصِّ، وَأَنَّ الْمُرَكَّبَ مِنْهُمَا الِاسْمُ، وَأَنَّ إِطْلَاقَ الِاثْنَيْنِ عَلَيْهِ تَارَةً مَجَازٌ ثُمَّ قَالَ أَيْ: صَوْمُهُمَا فَقُدِّرَ الْمُضَافُ بِنَاءً عَلَى وَهْمِهِ فِي رِوَايَتِهِ، وَعَلَّلَ بِقَوْلِهِ ; لِأَنَّ الْأَعْمَالَ تُعْرَضُ فِيهِمَا كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآتِي قَرِيبًا، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغْفِرُ فِيهِمَا لِكُلِّ مُسْلِمٍ إِلَّا الْمُتَهَاجِرَيْنِ رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيِ: الْمُقَاطِعِينَ لِمَنْ يَحْرُمُ مُقَاطَعَتُهُ انْتَهَى.

وَلَفْظُ الْحَدِيثِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تَصُومُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، فَقَالَ إِنَّ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ يَغْفِرُ اللَّهُ فِيهِمَا لِكُلِّ مُسْلِمٍ إِلَّا الْمُتَهَاجِرَيْنِ يَقُولُ دَعْهُمَا حَتَّى يَصْطَلِحَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ فَتَخْصِيصُ الْيَوْمَيْنِ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ أَوْ لِحِيَازَةِ الْفَضِيلَتَيْنِ، وَفِي الْجُمْلَةِ فَضِيلَتُهُمَا مِنَ بَيْنِ الْأَيَّامِ لَا تَخْفَى عَلَى عَامَّةِ الْأَنَامِ فَيَنْبَغِي فِيهِمَا إِكْثَارُ سَائِرِ الطَّاعَاتِ، وَخُصُوصُ الصِّيَامِ بِتَحَرِّيهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَاسْتَشْكَلَ اسْتِعْمَالُ الِاثْنَيْنِ بِالْيَاءِ مَعَ قَوْلِهِمَا إِنَّ الْمُثَنَّى وَمَا أُلْحِقَ بِهِ إِذَا جُعِلَ عَلَمًا وَأُعْرِبَ بِالْحَرَكَةِ يَلْزَمُهُ الْأَلِفُ كَمَا أَنَّ الْجَمْعَ إِذَا جُعِلَ كَذَلِكَ تَلْزَمُهُ الْوَاوُ إِلَّا مَا شَذَّ، وَاسْتَثْنَوْا مِنَ الْأَوَّلِ الْبَحْرَيْنِ ; فَإِنَّ الْأَكْثَرَ فِيهِ الْيَاءُ انْتَهَى.

وَيُجَابُ بِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الِاثْنَيْنِ كَالْبَحْرَيْنِ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ عَائِشَةَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ، فَيُسْتَدَلُّ بِنُطْقِهَا بِهِ كَذَلِكَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لُغَةٌ فِيهِ انْتَهَى.

وَفِيهِ أَنَّ لَفْظَ الِاثْنَيْنِ هُنَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُعْرَبًا بِالْحَرَكَةِ وَالْحَرْفِ ; فَإِنَّهُ مَجْرُورٌ بِالْإِضَافَةِ، وَهُوَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِكَسْرِ النُّونِ أَوْ بِوُجُودِ الْيَاءِ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الِاثْنَيْنِ لَيْسَ عَلَمًا بِانْفِرَادِهِ فَلَيْسَ كَالْبَحْرَيْنِ عَلَى مَا تُوُهِّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَسَيَأْتِي زِيَادَةُ تَحْقِيقٍ لِهَذَا، وَالْمَبْحَثُ فِي مَحِلِّهِ الْأَلْيَقِ.

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ) وَفِي نُسْخَةٍ أَبُو الْعَاصِمِ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رِفَاعَةَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ

(عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ) وَفِي نُسْخَةٍ رَسُولَ اللَّهِ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ) أَيْ: عَلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَفِي رِوَايَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>