للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّسَائِيِّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي) أَيْ: فِيهِمَا (وَأَنَا صَائِمٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مِنْ فَاعِلِ فَأُحِبُّ وَالْفَاءُ لِسَبَبِيَّةِ السَّابِقِ لِلَّاحِقِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ لِصِيَامِهِ فِيهِمَا سَبَبٌ آخَرُ لِمَا ثَبَتَ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، فَقَالَ: فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ أَيْ: أَوَّلُ إِنْزَالِ الْقُرْآنِ، وَلَا يُعَارِضُهُ عَرْضُهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ نُزُولِ مَلَائِكَةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِرَفْعِ ذَلِكَ، وَعَرْضُهُ وَحَدِيثُ مُسْلِمٍ يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ ; لِأَنَّ هَذَا عَرْضٌ تَفْصِيلِيٌّ، وَذَاكَ عَرْضٌ إِجْمَالِيٌّ، وَيُعْرَضُ أَيْضًا لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ عَرْضًا تَفْصِيلِيًا، وَذَاكَ عَرْضٌ إِجْمَالِيٌّ أَيْضًا لَكِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَرْضُ أَعْمَالِ السَّنَةِ، وَذَلِكَ لِأَعْمَالِ الْأُسْبُوعِ، وَفِيمَا بَيْنَهُمَا عَرْضُ الْأَعْمَالِ اللَّيْلِيَّةِ أَوِ الْأَعْمَالِ النَّهَارِيَّةِ، وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ: إِنَّ مَلَائِكَةَ الْأَعْمَالِ يَتَنَاوَبُونَ فَيُقِيمُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنَ الِاثْنَيْنِ إِلَى الْخَمِيسِ فَيَعْرُجُونَ، وَفَرِيقٌ مِنَ الْخَمِيسِ إِلَى الِاثْنَيْنِ، فَيَعْرُجُونَ وَكُلَّمَا عَرَجَ فَرِيقٌ قَرَأَ مَا كُتِبَ فِي مَوْقِفِهِ مِنَ السَّمَاوَاتِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَرْضًا فِي الصُّورَةِ، فَلِذَا يَحْسَبُهُ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهً لِلْمَلَائِكَةِ، فَأَمَّا هُوَ فِي نَفْسِهِ جَلَّ جَلَالُهُ فَغَنِيٌّ عَنْ عَرْضِهِمْ، وَنَسْخِهِمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِاكْتِسَابِ عِبَادِهِ مِنْهُمْ. انْتَهَى.

وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ.

(حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ خَيْثَمَةَ) بِفَتْحِ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ بَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٌ (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ مِنَ الشَّهْرِ) أَيْ: مِنْ أَيَّامِهِ، وَفِي نُسْخَةٍ فِي الشَّهْرِ أَيْ: فِي شَهْرٍ مِنَ الْأَشْهُرِ (السَّبْتَ) ، وَسُمِّيَ بِهِ ; لِأَنَّ السَّبْتَ الْقَطْعُ وَذَلِكَ الْيَوْمُ انْقَطَعَ فِيهِ الْخَلْقُ ; لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ابْتَدَأَ يَوْمَ الْأَحَدِ، وَخَتَمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِخَلْقِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الَّذِي هُوَ نَتِيجَةُ الْعَالَمِ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي الْعِلْمِ الْمُتَأَخِّرَةُ فِي الْوُجُودِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْيَهُودِ لَعَنَهُمُ اللَّهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَرَاحَ فِيهِ فَتَوَلَّى اللَّهُ تَعَالَى رَدَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ وَمِنْ ثَمَّةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا أَبْلَدَ مِنَ الْيَهُودِ وَكَذَا مَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْمُجَسِّمَةِ (وَالْأَحَدُ) ; لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا بَدَأَ الْخَلْقَ فِيهِ أَوْ أَوَّلُ الْأُسْبُوعِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ (وَالِاثْنَيْنِ) بِكَسْرِ النُّونِ عَلَى أَنَّ إِعْرَابَهُ بِالْحَرْفِ، وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْمُعْتَبَرَةُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَلِأَنَّ إِعْرَابَهُ بِالْحَرَكَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الْأَصْلُ أَوْ عَلَى جَعْلِ اللَّفْظِ الْمُثَنَّى عَلَمًا لِذَلِكَ الْيَوْمِ فَأُعْرِبَ بِالْحَرَكَةِ لَا بِالْحَرْفِ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الْجَمْعِ الْعَلَمِ، وَمَرَّ فِيهِ إِشْكَالٌ وَجَوَابُهُ، وَقَدْ قَالَ: الْأَشْرَفُ الْبِقَاعِيُّ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ كَانَ رَسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُنِي أَنْ أَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ أَوَّلُهَا الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، الْقِيَاسُ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ الِاثْنَانِ بِالْأَلِفِ مَرْفُوعًا عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ

لِلْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ أَوَّلُهَا لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ جُعِلَ اللَّفْظُ الْمُثَنَّى عَلَمًا لِذَلِكَ الْيَوْمِ فَأُعْرِبَ بِالْحَرَكَةِ (وَمِنَ الشَّهْرِ الْآخَرِ الثَّلَثَاءِ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ الْأَوْلَى، وَفِي نُسْخَةٍ بِضَمِّهَا، وَحَذْفِ الْأَلِفِ الْأُولَى فَيَكُونُ عَلَى زِنَةِ الْعُلَمَاءِ (وَالْأَرْبِعَاءِ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِهَا، وَحُكِيَ ضَمُّهَا، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بِتَثْلِيثِ الْبَاءِ، وَسَيَجِيءُ تَفْصِيلُهُ (وَالْخَمِيسَ) بِالنَّصْبِ فِيهِ، وَفِيمَا قَبْلَهُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ فِيهِ لِ «يَصُومُ» ، وَقَالَ الْمُحَقِّقُ الرَّضِيُّ: أَمَّا أَعْلَامُ الْأُسْبُوعِ كَالْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ فَمِنَ الْغَوَالِبِ فَيَلْزَمُهَا اللَّامُ وَقَدْ يُجَرَّدُ الِاثْنَيْنِ مِنَ اللَّامِ دُونَ أَخَوَاتِهِ، وَفَعَالَا إِمَّا مَصْدَرٌ كَالْبَرَاكَا بِمَعْنَى الثَّبَاتِ فِي الْحَرْبِ، وَإِمَّا اسْمٌ كَالثَّلَاثَا وَإِمَّا صِفَةٌ كَالطِّبَاقَا، وَحَكَى عَنْ بَعْضِ بَنِي أَسَدٍ فَتْحُ الْبَاءِ فِيهِ، وَالْجَمْعُ أَرْبَعَاوَاتِ وَأَفْعَلَاءِ إِمَّا مُفْرَدٌ كَأَرْبِعَاءَ، وَإِمَّا جَمْعٌ كَأَنْبِيَاءَ، وَأَفْعُلَاءُ بِضَمِّ الْعَيْنِ كَأَرْبِعَاءَ وَقَدْ يُفْتَحُ الْبَاءُ فَفِيهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ انْتَهَى.

وَفِي الْمُفَضَّلِ وَقَدْ يُضَمُّ الْهَمْزَةُ، وَالْبَاءُ مَعًا، وَهُوَ غَرِيبٌ ذَكَرَهُ مِيرَكُ هَذَا، وَقَالَ الْمُظْهِرُ: أَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَيِّنَ سُنِّيَّةَ صَوْمِ جَمِيعِ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ، فَصَامَ مِنْ شَهْرٍ السَّبْتَ وَالْأَحَدَ وَالِاثْنَيْنِ، وَمِنْ شَهْرٍ الثُّلَاثَاءَ وَالْأَرْبِعَاءَ وَالْخَمِيسَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصُمْ جَمِيعَ هَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>