للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُرْبَهُ لَضَرَبْتُ بِسَيْفِي رَأْسَكَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْظُرُ إِلَى عُمَرَ فِي سُكُونٍ وَتُؤَدَةٍ وَتَبَسُّمٍ ثُمَّ قَالَ: أَنَا وَهُوَ كُنَّا أَحْوَجَ إِلَى غَيْرِ هَذَا مِنْكَ يَا عُمَرُ أَنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الْأَدَاءِ وَتَأْمُرَهُ بِحُسْنِ التَّقَاضِي اذْهَبْ بِهِ فَاقْضِهِ وَزِدْهُ عِشْرِينَ صَاعًا مَكَانَ مُنَازَعَتِهِ فَقُلْتُ يَا عُمَرُ كُلُّ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ قَدْ عَرَفْتُهَا فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ نَظَرْتُ إِلَّا اثْنَتَيْنِ لَمْ أَخْبُرْهُمَا: يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، وَلَا يَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلَّا حِلْمًا فَقَدْ أُخْبِرْتُهُمَا؛ أُشْهِدُكَ أَنِّي رَضِيتُ بِاللَّهِ رِبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا.

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَذَبَهُ بِرِدَائِهِ حَتَّى أَثَّرَ فِي رَقَبَتِهِ الشَّرِيفَةِ لِخُشُونَتِهِ، وَهُوَ يَقُولُ احْمِلْنِي عَلَى بَعِيرَيَّ هَذَيْنِ أَيْ: حَمِّلْهُمَا لِي طَعَامًا فَإِنَّكَ لَا تُحَمِّلُنِي مِنْ مَالِكَ وَلَا مِنْ مَالِ أَبِيكَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلَا أَحْمِلُكَ حَتَّى تُقِيدَنِي مِنْ جَذْبَتِكَ فَقَالَ لَا وَاللَّهِ لَا أُقِيدُكَهَا ثُمَّ دَعَا رَجُلًا فَقَالَ لَهُ احْمِلْ لَهُ عَلَى بَعِيرَيْهِ هَذَيْنِ عَلَى بَعِيرٍ تَمْرًا وَعَلَى الْآخَرِ شَعِيرًا) وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِي رِوَايَتِهِ أَنَّهُ لَمَّا جَبَذَهُ تِلْكَ الْجَبْذَةَ الشَّدِيدَةَ الْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ، وَفِي هَذَا عَظِيمُ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ

وَصَبْرِهِ عَلَى الْأَذَى نَفْسًا وَمَالًا وَتَجَاوُزِهِ عَنْ جُفَاةِ الْأَعْرَابِ وَحُسْنِ تَدْبِيرِهِ لَهُمْ مَعَ أَنَّهُمْ كَالْوَحْشِ الشَّارِدِ وَالطَّبْعِ الْمُتَنَافِرِ وَالْمُتَبَاعِدِ وَالْحُمُرِ الْمُسْتَنْفِرَةِ الَّتِي فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ فَمَعَ ذَلِكَ سَاسَهُمْ وَاحْتَمَلَ جَفَاهُمْ وَصَبَرَ عَلَى أَذَاهُمْ إِلَى أَنِ انْقَادُوا إِلَيْهِ وَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وَقَاتَلُوا دُونَهُ أَهْلِيهِمْ وَآبَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ وَاخْتَارُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ فَظَهَرَ صِدْقُ اللَّهِ فِي حَقِّهِ أَنَّهُ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ وَفِي قَوْلِهِ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ الْآيَةَ.

(حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ) بِسُكُونِ الْمِيمِ (حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ) أَيْ: عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ شَيْئًا) أَيْ: آدَمِيًّا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُبَّمَا ضَرَبَ مَرْكُوبَهُ، وَقَدْ ضَرَبَ بَعِيرَ جَابِرٍ كَمَا فِي الصَّحِيحِ (قَطُّ) أَيْ: فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ الْمَاضِيَةِ (إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ) وَفِي رِوَايَةٍ إِلَّا أَنْ يَضْرِبَ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) حَتَّى إِنَّهُ قَتَلَ اللَّعِينَ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ بِأُحُدٍ، وَقِيلَ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْجِهَادَ مَعَ الْكُفَّارِ بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ الْحُدُودُ وَالتَّعَازِيرُ وَنَحْوُ ذَلِكَ (وَلَا ضَرَبَ خَادِمًا وَلَا امْرَأَةً) هَذَا مُنْدَرِجٌ تَحْتَ نَفْيِ الْعَامِّ لَكِنْ خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ اهْتِمَامًا بِشَأْنِهِمَا أَوْ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ ضَرْبِ هَذَيْنِ فِي الْعَادَةِ، وَالِاحْتِيَاجِ إِلَى ضَرْبِهِمَا تَأْدِيبًا، فَضَرْبُهُمَا وَإِنْ جَازَ بِشَرْطِهِ فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ قَالُوا بِخِلَافِ الْوَلَدِ فَالْأَوْلَى تَأْدِيبُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ ضَرْبَهُ لِمَصْلَحَةٍ تَعُودُ عَلَيْهِ فَلَمْ يُنْدَبِ الْعَفْوُ بِخِلَافِ ضَرْبِهِمَا فَإِنَّهُ لِحَظِّ النَّفْسِ، فَنُدِبَ الْعَفْوُ عَنْهُمَا مُخَالَفَةً لِهَوَى النَّفْسِ وَكَظْمًا لِغَيْظِهَا.

(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ) أَيْ: مَا عَلِمْتُ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ مَا أَبْصَرْتُ (رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنْتَصِرًا) أَيْ: مُنْتَقِمًا (مِنْ مَظْلِمَةٍ) وَهِيَ بِكَسْرِ اللَّامِ اسْمٌ لِمَا تَطْلُبُهُ عَنِ الظَّالِمِ، وَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْكَ وَبِفَتْحِ اللَّامِ مَصْدَرُ ظَلَمَهُ يَظْلِمُهُ ظُلْمًا وَمَظْلَمَةً، وَقِيلَ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ الظُّلْمُ، وَهُوَ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَالْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ أَيْ: مِنْ أَجْلِ مَا أُخِذَ وَنِيلَ مِنْ مَعْصُومٍ عُدْوَانًا، سَوَاءٌ

كَانَ فِي الْبَدَنِ أَمِ الْعِرْضِ أَمِ الْمَالِ أَمِ الِاخْتِصَاصِ (ظُلِمَهَا قَطُّ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي ظُلِمَ رَاجِعٌ إِلَى الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالظُّلْمُ مُتَعَدٍّ إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ فَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>