للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) أَيْ: بِقُدْرَتِهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي يَدِهِ، وَلِأَجْلِ تَأْكِيدِ الْحُكْمِ وَسَّطَ الْقَسَمَ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَخَبَرِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ (مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ أَيِ: الَّذِي يُتَنَعَّمُ بِهِ، وَالْمُرَادُ: بِالسُّؤَالِ عَنِ الْقِيَامِ بِشُكْرِهِ عَلَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ الَّذِي نَعْتَقِدُهُ أَنَّ السُّؤَالَ هُنَا سُؤَالُ تَعْدَادِ

النِّعَمِ، وَإِعْلَامِهِ بِالِامْتِنَانِ، وَإِظْهَارِ كَرَمِهِ بِإِسْبَاغِهَا، لَا سُؤَالُ تَوْبِيخٍ وَمُحَاسَبَةٍ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: فَلَمَّا شَبِعُوا وَرَوَوْا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ، وَفِيهِ جَوَازُ الشِّبَعِ، وَمَا وَرَدَ فِي ذَمِّهِ مَحْمُولٌ عَلَى شِبَعٍ مُضِرٍّ، أَوْ عَلَى الْمُدَاوَمَةِ؛ لِأَنَّهُ يُقَسِّي الْقَلْبَ وَيُكْسِلُ الْبَدَنَ وَيُنْسِي الْإِخْوَانَ الْمُحْتَاجِينَ (ظِلٌّ بَارِدٌ) خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ لِلْمُبْتَدَأِ الْمَذْكُورِ، أَوْ لِمُبْتَدَأٍ مُقَدَّرٍ، وَالْجُمْلَةُ قَامَتْ مَقَامَ التَّعْلِيلِ لِلْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ، وَكَذَا قَوْلُهُ (وَرُطَبٌ طَيِّبٌ) تَذْكِيرُ الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرُّطَبَ لَيْسَ بِجَمْعٍ بَلْ هُوَ اسْمُ جِنْسٍ يُطْلَقُ عَلَى الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ، وَلَعَلَّ تَرْكَ ذِكْرِ الْبُسْرِ مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ، أَوْ لِتَغْلِيبِ الرُّطَبِ عَلَيْهِ، أَوْ لِقِلَّةِ اسْتِعْمَالِ الْبُسْرِ، (وَمَاءٌ بَارِدٌ) أَيْ: وَحُلْوٌ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ أَنَّ قَوْلَهُ ظِلٌّ بَارِدٌ إِلَى آخِرِهِ بَدَلٌ مِنْ هَذَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ وَاحِدٌ، وَكَانَ عَدَمُ ذِكْرِ الْبُسْرِ لِكَوْنِهِمْ لَمْ يَخْتَارُوا مِنْهُ شَيْئًا فَلَا يَخْلُو عَنْ بُعْدٍ مِنَ الْجِهَتَيْنِ (فَانْطَلَقَ) أَيْ: فَأَرَادَ الِانْطِلَاقَ (أَبُو الْهَيْثَمِ لِيَصْنَعَ لَهُمْ طَعَامًا) أَيْ: مَطْبُوخًا مَصْنُوعًا عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْعُرْفِ الْعَامِّ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُطْلَقُ الطَّعَامُ عَلَى الْفَاكِهَةِ لُغَةً عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ: الطَّعَامُ الْبُرُّ وَمَا يُؤْكَلُ، وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ نَحْوَ الرُّطَبِ فَاكِهَةٌ لَا طَعَامٌ، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ طَعَامًا مَصْنُوعًا لَا مُطْلَقًا كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ (لِيَصْنَعَ) عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: التَّقْدِيرُ طَعَامًا آخَرَ فَتَدَبَّرْ، وَأَجَابَ ابْنُ حَجَرٍ عَنْهُ بِمَا لَا يُجْدِي نَفْعًا، هَذَا مَعَ أَنَّهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنَّ الرُّطَبَ وَالرُّمَّانَ لَيْسَا بِفَاكِهَةٍ، بَلِ الرُّطَبُ غِذَاءٌ وَالرُّمَّانُ دَوَاءٌ، وَإِنَّمَا الْفَاكِهَةُ مَا يُتَفَكَّهُ بِهِ تَلَذُّذًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَطْفِ الْمُغَايَرَةُ، وَإِنِ احْتَمَلَ كَوْنَهُ مِنْ قَبِيلِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْمَرَامِ (فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَذْبَحَنَّ لَنَا) قَالَ مِيرَكُ: لَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِمَ مِنْ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَذْبَحَ لَهُمْ شَاةً فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَأَخَذَ الْمُدْيَةَ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَذْبَحَنَّ لَنَا (ذَاتَ دَرٍّ) بِفَتْحِ دَالٍ وَتَشْدِيدِ رَاءٍ، أَيْ: لَبَنٍ وَلَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِأَنْ تَكُونَ حَامِلًا، لَكِنْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ، وَإِنَّمَا نَهَاهُ عَنْ ذَبْحِهَا شَفَقَةً عَلَى أَهْلِهَا بِانْتِفَاعِهِمْ بِاللَّبَنِ مَعَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِغَيْرِهَا وَمِنْ ثَمَّةَ لَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلَّا هِيَ لَمْ يَتَوَجَّهْ هَذَا النَّهْيُ إِلَيْهِ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ نَهْيُ إِرْشَادٍ وَمُلَاطَفَةٍ، فَلَا كَرَاهَةَ فِي الْمُخَالَفَةِ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي إِكْرَامِ الضَّيْفِ، وَإِنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ بِصُدُورِ نَحْوِ ذَلِكَ النَّهْيِ مِنْهُ، ثُمَّ لَيْسَ هَذَا مِنَ التَّكَلُّفِ الْمَكْرُوهِ لِلسَّلَفِ احْتَاجَ إِلَى تَكَلُّفِ السَّلَفِ، أَوْ إِذَا شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُضِيفِ وَكِلَاهُمَا مَفْقُودَانِ هُنَا مَعَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَالَغَ فِي إِكْرَامِ الضَّيْفِ حَيْثُ قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، لَا سِيَّمَا وَهَؤُلَاءِ الْأَضْيَافُ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ نَظِيرٌ فِي الْعَالَمِ مَعَ نُدُورِ حُصُولِ هَذَا الْمُغْتَنَمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (فَذَبَحَ لَهُمْ عَنَاقًا) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ، وَهُوَ الْأُنْثَى

مِنْ وَلَدِ الْمَعْزِ لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ (أَوْ جَدْيًا) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَهُوَ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ الذَّكَرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>