للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للصبيان لِأَنَّهُ لَا يَصح مِنْهُم النّظر وَالِاسْتِدْلَال وَلما وَقع لَهُم الْعلم بذلك دلّ على أَن الْعلم بهَا يَصح ضَرُورَة

وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَو كَانَ يَقع الْعلم بِهِ ضَرُورَة لاشترك النَّاس كلهم فِي إِدْرَاكه وَلما رَأينَا الْعُقَلَاء يُنكرُونَ الْعلم بِهِ دلّ على أَن الْعلم من جِهَته عَن اسْتِدْلَال

قُلْنَا نَحن لَا نعتد بِخِلَاف من خَالف فِي ذَلِك كَمَا لَا نعتد بِخِلَاف من خَالف فِي المحسوسات من السوفسطائية

ثمَّ لَو جَازَ أَن يَجْعَل ذَلِك دَلِيلا على نفي الْعلم بِهِ ضَرُورَة لجَاز أَن يَجْعَل خلاف من خَالف فِي المحسوسات دَلِيلا على أَن الْعلم لَا يَقع من جِهَة الْحَواس ضَرُورَة وَلما بَطل هَذَا بِالْإِجْمَاع بَطل مَا قَالُوهُ أَيْضا

قَالُوا وَلِأَن الْإِنْسَان يسمع الشَّيْء من الْوَاحِد والاثنين وَلَا يَقع بِهِ الْعلم إِلَى أَن يتكاثروا فيبلغوا التَّوَاتُر فَيَقَع لَهُ حِينَئِذٍ الْعلم فَكَانَ ذَلِك اسْتِدْلَالا كَالْعلمِ الْوَاقِع بِالنّظرِ فِي الْعَالم وَالِاسْتِدْلَال على حَدثهُ

قُلْنَا لَيْسَ إِذا لم يَقع الْعلم فِي ابْتِدَاء السماع لم يكن الْعلم الْحَاصِل لَهُ عِنْد الِانْتِهَاء ضَرُورَة أَلا ترى أَن الْإِنْسَان يرى الشَّيْء من بعيد فَلَا يَقع لَهُ الْعلم بِهِ على التَّفْصِيل ثمَّ يقرب مِنْهُ فَيعلم حَقِيقَته على التَّفْصِيل ثمَّ لَا يُقَال إِن ذَلِك الْعلم اسْتِدْلَال

قَالُوا وَلِأَن الْعلم لَا يَقع بأخبارهم إِلَّا على صِفَات تصحبهم يسْتَدلّ بهَا على صدقهم فَصَارَ كَالْعلمِ بِحَدَث الْعَالم لما وَقع عَن الصِّفَات الَّتِي تصْحَب الْعَالم من الِاجْتِمَاع والافتراق كَانَ اكتسابا فَكَذَلِك هَاهُنَا

وَالْجَوَاب هُوَ أَن الْأَخْبَار وَإِن اعْتبر فِيهَا صِفَات إِلَّا أَن الْعلم بصدقهم لَا يفْتَقر إِلَى اعْتِبَار الصِّفَات أَلا ترى أَنه يجوز أَن يَقع الْعلم لمن لَا ينظر فِي الصِّفَات وَيُخَالف هَذَا الْعلم الْوَاقِع عَن الْعَالم فَإِن بذلك لَا يَقع إِلَّا بعد النّظر فِي الْمعَانِي الَّتِي تصْحَب الْعَالم وَالِاسْتِدْلَال بهَا فَلذَلِك كَانَ اكتسابا وَفِي الْأَخْبَار يَقع الْعلم من غير نظر وَاعْتِبَار فَافْتَرقَا

<<  <   >  >>