للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَإِن قيل يُقَلّد فِيهَا وَلَا يحْتَاج إِلَى النّظر

قيل لَيْسَ تَقْلِيد أحد الْخَصْمَيْنِ بِأولى من الآخر فَوَجَبَ الرُّجُوع فِيهِ إِلَى النّظر لِأَن الْمُقَلّد فِيهِ يجوز أَن يكون صَادِقا وَيجوز أَن يكون كَاذِبًا فَلَا يُمكن إِدْرَاك الْحق من جِهَته وَيدل عَلَيْهِ هُوَ أَنه لَو لم يَصح النّظر وَالِاسْتِدْلَال لما علم النبوات لِأَن من جَاءَ يَدعِي النُّبُوَّة يحْتَمل أَن يكون صَادِقا وَيحْتَمل أَن يكون كَاذِبًا وَلَيْسَ لأحد الِاحْتِمَالَيْنِ على الآخر مزية فَلَا بُد من الرُّجُوع إِلَى مَا يدل على صدقه وَلَا يعلم مَا يدل على صدقه إِلَّا بِالنّظرِ فَدلَّ على صِحَّته

وَلِأَن من يَنْفِي ذَلِك لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يَنْفِيه بِالنّظرِ فقد اعْترف بِصِحَّة مَا أبْطلهُ أَو بالتقليد فَيجب أَن يقلدنا فِي جَوَاز النّظر

وَلِأَن نَفْيه للنَّظَر لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون بِالضَّرُورَةِ أَو بِالنّظرِ وَالِاسْتِدْلَال وَلَا يجوز أَن يكون نَفْيه بِالضَّرُورَةِ لِأَنَّهُ لَو كَانَ قد علم ذَلِك ضَرُورَة لعلمناه كَمَا علم وَإِن كَانَ يَنْفِيه بِالنّظرِ وَالِاسْتِدْلَال فقد اعْترف بِصِحَّة مَا أنكرهُ

وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَو كَانَ النّظر طَرِيقا لمعْرِفَة الْأَحْكَام لوَجَبَ أَن يتَقَدَّم عِنْد النّظر وَالِاسْتِدْلَال قَول نعمل عَلَيْهِ وَمذهب نرْجِع إِلَيْهِ

أَلا ترى أَن الْمُقَابلَة فِي الأوزان والأعداد لما كَانَ طَرِيقا لمعْرِفَة الْمَقَادِير تقدر بِهِ عِنْد الِاعْتِبَار أَمر يَزُول مَعَه الْخَطَأ

قُلْنَا لَا نسلم فَإِن بِالنّظرِ يَتَقَرَّر الْحق وَيبْطل الْبَاطِل وَلِهَذَا نرى كثيرا مِمَّن ينظر ويستدل يرجع عِنْد النّظر وَالِاسْتِدْلَال عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ من قبل وَأما من لَا يرجع فَلِأَنَّهُ لم يسْتَوْف النّظر وَلَو استوفى ذَلِك لبان لَهُ وَرجع

وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَو كَانَ النّظر طَرِيقا للمعرفة لوَجَبَ إِذا وَقع لَهُ شَيْء من ذَلِك عَن دَلِيل أَن لَا ينْتَقل عَنهُ إِلَى غَيره وَقد رَأينَا من يكون على مَذْهَب يعْتَقد صِحَّته ثمَّ ينْتَقل إِلَى غَيره ويعتقد بطلَان مَا كَانَ عَلَيْهِ وَهَذَا يدل على أَن النّظر لَيْسَ بطرِيق للإدراك

قُلْنَا الِانْتِقَال عَن الشَّيْء إِلَى غَيره لَا يدل على أَن النّظر لَيْسَ بطرِيق لتميز

<<  <   >  >>