للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخَلَائِقِ، فَيُقَالُ لَهُمْ أَتَعْرِفُونَ هَذِهِ؟ فَيَقُولُونَ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مَعْرِفَةِ هَذِهِ، فَيُقَالُ هَذِهِ الدُّنْيَا الَّتِي تَنَاحَرْتُمْ عَلَيْهَا، بِهَا تَقَاطَعْتُمْ الْأَرْحَامَ، وَبِهَا تَحَاسَدْتُمْ وَتَبَاغَضْتُمْ وَاغْتَرَرْتُمْ، ثُمَّ تُقْذَفُ فِي جَهَنَّمَ، فَتُنَادِي يَا رَبُّ أَيْنَ أَتْبَاعِي وَأَشْيَاعِي؟ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَلْحِقُوا بِهَا أَتْبَاعَهَا وَأَشْيَاعَهَا. وَاعَجَبًا لِمَنْ عَرَفَ الدُّنْيَا ثُمَّ مَالَ إلَيْهَا، وَرَأَى غَدْرَهَا بِأَهْلِهَا ثُمَّ عَوَّلَ عَلَيْهَا.

أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَمْ تَزَلْ ... أَفْعَالُهُ فِي خَلْقِهِ مُعْجَبَاتِ

قَرْنٌ مَضَى ثُمَّ نَمَا غَيْرُهُ ... كَأَنَّهُ فِي كُلِّ عَامٍ نَبَاتِ

أَقَلُّ مَنْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَيْقِظٌ ... وَإِنَّمَا أَكْثَرُهُمْ فِي سُبَاتِ

لَا تَعْتِبْ الْأَيَّامَ فِي صَرْفِهَا ... فَلَيْسَ أَيَّامُك بِالْمُعْتِبَاتِ

حَوْلٌ خَصِيبٌ أَثَرُهُ مُجْدِبٌ ... فَاذْخَرْ مِنْ الْمُخَصَّبِ لِلْمُجْدِبَاتِ

إخْوَانِي عُيُوبُ الدُّنْيَا بَادِيَةٌ، مَلَأَتْ الْحَاضِرَةَ وَالْبَادِيَةَ، وَهِيَ بِذَلِكَ فِي كُلِّ نَادٍ مُنَادِيَةٌ، لَوْ تَفْهَمُ النِّدَاءَ الْوُجُوهُ النَّادِيَةُ:

قَدْ نَادَتْ الدُّنْيَا عَلَى نَفْسِهَا ... لَوْ كَانَ فِي الْعَالَمِ مَنْ يَسْمَعُ

كَمْ وَاثِقٍ بِالْعُمْرِ أَفْنَيْتُهُ ... وَجَامِعٍ بَدَّدْت مَا يَجْمَعُ

وَلَمْ تَزَلْ الدُّنْيَا تَصْدَعُ بِالْأَحِبَّةِ وَالْإِخْوَانِ، وَتَفْجَعُ بِأَهْلِ الْمَحَبَّةِ وَالْأَخْدَانِ، وَتَخْدَعُ وَتَتَقَلَّبُ، وَتَلْذَعُ وَتَتَلَهَّبُ:

فَإِنْ أَضْحَكَتْ أَبْكَتْ وَإِنْ وَاصَلَتْ قَلَّتْ ... وَإِنْ سَالَمَتْ خَانَتْ وَإِنْ سَامَحَتْ غَلَّتْ

وَإِنْ أَفْرَحَتْ يَوْمًا فَيَوْمَانِ لِلْأَسَى ... وَإِنْ مَا جَلَتْ لِلصَّبِّ يَا صَاحِ أَوْ جَلَتْ

حَلَاوَتُهَا كَالصَّابِ فَاحْذَرْ مَذَاقَهَا ... إذَا مَا حَلَتْ لِلْمَرْءِ فِي الْبَأْسِ أَوْحَلَتْ

مَطْلَبٌ: حِكَايَةُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ مَعَ جَارِيَتِهِ حُبَابَةَ.

كَانَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ الَّذِي انْتَهَتْ إلَيْهِ الْخِلَافَةُ بَعْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَهُ جَارِيَةٌ تُسَمَّى حُبَابَةَ، وَكَانَ شَدِيدَ الشَّغَفِ بِهَا، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَحْصِيلِهَا إلَّا بَعْدَ جَهْدٍ شَدِيدٍ، فَلَمَّا وَصَلَتْ إلَيْهِ خَلَا بِهَا يَوْمًا فِي بُسْتَانٍ، وَقَدْ طَارَ عَقْلُهُ فَرَحًا بِهَا، فَبَيْنَمَا هُوَ يُلَاعِبُهَا وَيُضَاحِكُهَا إذْ رَمَاهَا بِحَبَّةِ رُمَّانٍ أَوْ بِحَبَّةِ عِنَبٍ وَهِيَ تَضْحَكُ فَدَخَلَتْ فِي فِيهَا فَشَرِقَتْ بِهَا فَمَاتَتْ، فَمَا سَمَحَتْ نَفْسُهُ بِدَفْنِهَا حَتَّى أَرْوَحَتْ، فَعُوتِبَ عَلَى ذَلِكَ فَدَفَنَهَا، وَيُقَالُ إنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>