للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبُو دَاوُد يُشْتَمُ، قَالَ يَحْتَمِلُ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَأْمُرَ وَيَنْهَى لَا يُرِيدُ أَنْ يَنْتَصِرَ بَعْدَ ذَلِكَ.

قَالَ الْإِمَامُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ: الصَّبْرُ عَلَى أَذَى الْخَلْقِ عِنْدَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، إنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ لَزِمَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ، إمَّا تَعْطِيلُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَإِمَّا حُصُولُ فِتْنَةٍ وَمَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ مِنْ مَفْسَدَةِ تَرْكِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ أَوْ مِثْلِهَا أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، وَكِلَاهُمَا مَعْصِيَةٌ وَفَسَادٌ.

قَالَ تَعَالَى {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [لقمان: ١٧] فَمَنْ أَمَرَ وَلَمْ يَصْبِرْ، أَوْ صَبَرَ وَلَمْ يَأْمُرْ، أَوْ لَمْ يَأْمُرْ وَلَمْ يَصْبِرْ، حَصَلَ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ مَفْسَدَةٌ، وَإِنَّمَا الصَّلَاحُ فِي أَنْ يَأْمُرَ وَيَصْبِرَ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُبَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «بَايَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي يُسْرِنَا وَعُسْرِنَا، وَمَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا، لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ» .

مَطْلَبٌ: هَلْ يُشْتَرَطُ لِلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ رَجَاءَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ

؟ .

(تَنْبِيهٌ)

: هَلْ مِنْ شَرْطِ وُجُوبِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ رَجَاءُ حُصُولِ الْمَقْصُودِ أَوْ لَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. نَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ الْوُجُوبَ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ عَكْسَهُ. قَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ: وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْإِنْكَارُ إذَا عَلِمَ حُصُولَ الْمَقْصُودِ وَلَمْ يَقُمْ بِهِ غَيْرُهُ، وَعَنْهُ إذَا رَجَا حُصُولَهُ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَقِيلَ يُنْكِرُهُ وَإِنْ أَيِسَ مِنْ زَوَالِهِ وَخَافَ أَذًى أَوْ فِتْنَةً.

وَقَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ: إنَّمَا يَجُوزُ الْإِنْكَارُ فِيمَا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ وَإِنْ خَافَ أَذًى، وَقِيلَ لَا، وَقِيلَ يَجِبُ. وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَيُخَيَّرُ فِي رَفْعِهِ إلَى الْإِمَامِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَجِبُ رَفْعُهُ.

قَالَ فِي الْآدَابِ: وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْإِنْكَارُ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ الْقَاضِي خِلَافًا لِأَكْثَرِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ ذَلِكَ قَبِيحٌ وَمَكْرُوهٌ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ:

(أَحَدُهُمَا) : كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ.

(وَالثَّانِي) : إظْهَارُ الْإِيمَانِ عِنْدَ ظُهُورِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ. انْتَهَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>