للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّانِيَةُ: مَنْ اجْتَمَعَ بِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤْمِنًا وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً، لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَحِبَهُ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَنْتَهِ إلَى الِاشْتِهَارِ بِهِ حَتَّى يَصِيرَ يُعْرَفُ.

الثَّانِيَةُ: مَنْ رَآهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُؤْيَةً وَلَمْ يُجَالِسْهُ وَلَمْ يُمَاشِهِ فَهَذَا أَلْحَقُوهُ بِالصُّحْبَةِ إلْحَاقًا وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَةُ الصُّحْبَةِ لَمْ تُوجَدْ فِي حَقِّهِ، وَلَكِنْ صُحْبَةٌ إلْحَاقِيَّةٌ حُكْمِيَّةٌ لِشَرَفِ قَدْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِاسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي انْطِبَاعِ طَلْعَةِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمْ بِرُؤْيَتِهِ إيَّاهُمْ أَوْ رُؤْيَتِهِمْ إيَّاهُ مُؤْمِنِينَ بِمَا جَاءَ بِهِ، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ رُتَبُهُمْ. - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -

(مِنْ كُلِّ) صَحَابِيٍّ (هَادٍ) لِغَيْرِهِ أَيْ مُرْشِدٍ وَدَالٍ، وَمِنْ كُلِّ (مُهْتَدِي) فِي نَفْسِهِ. يُقَالُ هَدَاهُ هُدًى وَهَدْيًا وَهِدَايَةً وَهِدْيَةً بِكَسْرِهِمَا أَرْشَدَهُ فَهَدَى وَاهْتَدَى. وَهَدَاهُ اللَّهُ الطَّرِيقَ دَلَّهُ. وَالْهُدَى بِضَمِّ الْهَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ الرَّشَادُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ.

مَطْلَبٌ: الْهِدَايَةُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ.

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ بَدَائِعُ الْفَوَائِدِ: الْهِدَايَةُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ:

أَحَدُهَا: الْهِدَايَةُ الْعَامَّةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ الْخَلْقِ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: ٥٠] أَيْ أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ صُورَتَهُ الَّتِي لَا يَشْتَبِهُ فِيهَا بِغَيْرِهِ، وَأَعْطَى كُلَّ عُضْوٍ شَكْلَهُ وَهَيْئَتَهُ، وَأَعْطَى كُلَّ مَوْجُودٌ خَلْقَهُ الْمُخْتَصَّ بِهِ ثُمَّ هُدَاهُ لِمَا خَلَقَهُ مِنْ الْأَعْمَالِ.

قَالَ وَهَذِهِ الْهِدَايَةُ تَعُمُّ الْحَيَوَانَ الْمُتَحَرِّكَ بِإِرَادَتِهِ إلَى جَلْبِ مَا يَنْفَعُهُ وَدَفْعِ مَا يَضُرُّهُ.

قَالَ وَلِلْجَمَادِ أَيْضًا هِدَايَةٌ تَلِيقُ بِهِ، كَمَا أَنَّ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْحَيَوَانِ هِدَايَةً تَلِيقُ بِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهَا وَصُوَرُهَا، وَكَذَلِكَ لِكُلِّ عُضْوٍ هِدَايَةٌ تَلِيقُ بِهِ، فَهُدَى الرِّجْلَيْنِ لِلْمَشْيِ، وَاللِّسَانِ لِلْكَلَامِ، وَالْعَيْنِ لِكَشْفِ الْمَرْئِيَّاتِ، وَهَلُمَّ جَرًّا.

وَكَذَلِكَ هَدَى الزَّوْجَيْنِ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ إلَى الِازْدِوَاجِ وَالتَّنَاسُلِ وَتَرْبِيَةِ الْوَلَدِ، وَالْوَلَدِ إلَى الْتِقَامِ الثَّدْيِ عِنْدَ وَضْعِهِ، وَمَرَاتِبُ هِدَايَتِهِ سُبْحَانَهُ لَا يُحْصِيهَا إلَّا هُوَ.

الثَّانِي: هِدَايَةُ الْبَيَانِ وَالدَّلَالَةِ وَالتَّعْرِيفِ لِنَجْدَيْ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَطَرِيقَيْ النَّجَاةِ وَالْهَلَاكِ.

وَهَذِهِ الْهِدَايَةُ لَا تَسْتَلْزِمُ الْهُدَى التَّامَّ فَإِنَّهَا سَبَبٌ وَشَرْطٌ لَا مُوجِبٌ، وَلِهَذَا يَنْتَفِي الْهُدَى مَعَهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: ١٧]

<<  <  ج: ص:  >  >>