للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ لُقْمَانُ: ضَرْبُ الْوَالِدِ لِلْوَلَدِ كَمَطَرِ السَّمَاءِ لِلزَّرْعِ. وَكَانَ يُقَالُ: الْأَدَبُ مِنْ الْآبَاءِ، وَالصَّلَاحُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. وَكَانَ يُقَالُ: مَنْ أَدَّبَ ابْنَهُ صَغِيرًا قَرَّتْ عَيْنُهُ بِهِ كَبِيرًا.

(تَنْبِيهٌ)

قَدْ صَرَّحَ عُلَمَاؤُنَا فِي الْفِقْهِ بِأَنَّ عَلَى وَلِيِّ الصَّبِيِّ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَرْبُهُ عَلَى تَرْكِهَا لِعَشْرٍ، فَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْوُجُوبِ.

وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يُعَلِّمَهُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ عِلْمُهُ، أَوْ يُقِيمَ لَهُ مَنْ يُعَلِّمُهُ ذَلِكَ. وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا أَيْضًا: يَجِبُ عَلَى الْأَبِ وَسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ تَعْلِيمُ الِابْنِ مَا يَحْتَاجُهُ لِدِينِهِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «إنَّ لِوَلَدِك عَلَيْك حَقًّا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَقَالَ الْقَاضِي مِنْ أَئِمَّتِنَا: وَمِمَّا يَجِبُ إنْكَارُهُ تَرْكُ التَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ لِمَا يَجِبُ تَعْلِيمُهُ وَتَعَلُّمُهُ، نَحْوُ مَا تَعَلَّقَ بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ وَبِمَعْرِفَةِ الصَّلَاةِ وَجُمْلَةِ الشَّرَائِعِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْفَرَائِضِ وَيَلْزَمُ النِّسَاءَ الْخُرُوجُ لِتَعَلُّمِ ذَلِكَ. وَأَوْجَبَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَعَاهَدَ الْمُعَلِّمَ وَالْمُتَعَلِّمَ لِذَلِكَ وَيَرْزُقَهُمَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ قِوَامًا لِلدِّينِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْجِهَادِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا نَشَأَ الْوَلَدُ عَلَى مَذْهَبٍ فَاسِدٍ فَيَتَعَذَّرُ زَوَالُهُ مِنْ قَلْبِهِ. انْتَهَى.

وَقَدْ نَصَّ فُقَهَاؤُنَا عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْوَلِيِّ تَمْكِينُ الصَّغِيرِ مِنْ لُبْسِ ثَوْبٍ حَرِيرٍ وَنَحْوِهِ، وَكَذَا مِنْ فِعْلِ كُلِّ مُحَرَّمٍ. فَعَلَى كُلِّ حَالٍ مَتَى تَوَفَّرَتْ الشُّرُوطُ وَجَبَ الْإِنْكَارُ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ لَا أَنَّ ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ كَمَا قَالَ الْحَجَّاوِيُّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

مَطْلَبٌ: فِي زَجْرِ الذِّمِّيِّ إذَا جَهَرَ بِالْمُنْكَرَاتِ

وَإِنْ جَهَرَ الذِّمِّيُّ بِالْمُنْكَرَاتِ ... فِي الشَّرِيعَةِ يُزْجَرُ دُونَ مُخْفٍ بِمَرْكَدِ

(وَإِنْ جَهَرَ) أَيْ أَظْهَرَ وَأَبَانَ غَيْرَ مُسْتَتِرٍ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: جَهَرَ كَمَنَعَ عَلَنَ، وَالْكَلَامَ وَبِهِ أَعْلَنَ كَأَجْهَرَ، وَالصَّوْتَ أَعْلَاهُ. وقَوْله تَعَالَى {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء: ١٥٣] أَيْ عِيَانًا غَيْرَ مُسْتَتِرٍ (الذِّمِّيُّ) فَاعِلُ جَهَرَ وَنِسْبَتُهُ إلَى الذِّمَّةِ بِمَعْنَى الْعَهْدِ وَالْأَمَانِ وَتُفَسَّرُ الذِّمَّةُ بِالضَّمَانِ أَيْضًا. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي ذِمَّتِي أَيْ ضَمَانِي، وَالْجَمْعُ ذِمَمٌ، وَهُمْ مَنْ جَوَّزْنَا عَقْدَ الذِّمَّةِ لَهُمْ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس

<<  <  ج: ص:  >  >>