للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُظْهِرَ لِلْمُنْكَرِ يَجِبُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ عَلَانِيَةً، وَلَا تَبْقَى لَهُ غِيبَةٌ، وَيَجِبُ أَنْ يُعَاقَبَ عَلَانِيَةً بِمَا يَرْدَعُهُ عَنْ ذَلِكَ. وَيَنْبَغِي لِأَهْلِ الْخَيْرِ أَنْ يَهْجُرُوهُ مَيِّتًا إذَا كَانَ فِيهِ كَفٌّ لِأَمْثَالِهِ فَيَتْرُكُونَ تَشْيِيعَ جِنَازَتِهِ. انْتَهَى.

وَهَذَا لَا يُنَافِيهِ وُجُوبُ الْإِغْضَاءِ عَنْهُ، فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ وُجُوبُ الْإِنْكَارِ سِرًّا جَمْعًا بَيْنَ الْمَصَالِحِ. وَلِذَا يَقُولُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي بَعْضِ الْمَحَالِّ: تُعْتَبَرُ الْمَصْلَحَةُ قَالَ فِي الْآدَابِ: وَكَلَامُهُمْ ظَاهِرٌ أَوْ صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ السَّتْرِ عَلَى هَذَا يَعْنِي الَّذِي لَمْ يُعْلِنْ بِالْمَعْصِيَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْحَلَالُ يُسْتَحَبُّ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَلَمْ أَجِدْ بَيْنَ الْأَصْحَابِ خِلَافًا فِي أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ بِمَا يُوجِبُ حَدًّا لَهُ أَنْ يُقِيمَهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُقِيمَهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ سَتْرَهُ لَا يَجِبُ، وَأَنَّهُ يُنْكَرُ عَلَيْهِ بِطَرِيقِهِ. وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مَشْهُورًا بِالشَّرِّ وَالْفَسَادِ أَمْ لَا.

وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ رَأَى عَوْرَةً فَسَتَرَهَا كَانَ كَمَنْ أَحْيَا مَوْءُودَةً» قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ أَمَّا السَّتْرُ الْمَنْدُوبُ إلَيْهِ هُنَا فَالْمُرَادُ بِهِ السَّتْرُ عَلَى ذَوِي الْهَيْئَاتِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ لَيْسَ هُوَ مَعْرُوفًا بِالْأَذَى وَالْفَسَادِ، وَأَمَّا الْمَعْرُوفُ بِذَلِكَ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُسْتَرَ عَلَيْهِ بَلْ يَرْفَعُ قِصَّتَهُ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ إنْ لَمْ يَخَفْ مِنْ ذَلِكَ مَفْسَدَةً، لِأَنَّ السَّتْرَ عَلَى هَذَا يُطْمِعُهُ فِي الْإِيذَاءِ وَالْفَسَادِ وَانْتِهَاكِ الْمُحَرَّمَاتِ وَجَسَارَةِ غَيْرِهِ عَلَى مِثْلِ فِعْلِهِ. وَهَذَا كُلُّهُ فِي سِتْرِ مَعْصِيَةٍ مَضَتْ وَانْقَضَتْ، أَمَّا مَعْصِيَةٌ رَآهُ عَلَيْهَا وَهُوَ بَعْدُ مُتَلَبِّسٌ فَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِإِنْكَارِهَا عَلَيْهِ وَمَنْعِهِ مِنْهَا عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ تَأْخِيرُهَا، فَإِنْ عَجَزَ لَزِمَهُ رَفْعُهَا إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ. انْتَهَى.

[مَطْلَبٌ: فِي بَيَانِ التَّجَسُّسِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ]

وَلَمَّا كَانَ السَّتْرُ مَطْلُوبًا وَفَاعِلُهُ مِنْ أَهْلِ الْإِحْسَانِ مَحْسُوبًا، كَانَ عَدَمُ التَّجَسُّسِ عَلَى ذَلِكَ أَوْلَى أَحْرَى. كَمَا أَخْبَرَ بِهِ الَّذِي هُوَ أَعْلَمُ وَأَدْرَى. وَلِذَا قَالَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:

<<  <  ج: ص:  >  >>