للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُسِرُّونَهَا، وَعَمَّا يَبْدُو مِنْهُمْ غَفْلَةٌ أَوْ غَلَبَةٌ مِنْ كَشْفِ عَوْرَةٍ أَوْ خُرُوجِ رِيحٍ، أَوْ صَوْتِ رِيحٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ فِي جَمَاعَةٍ فَالْأَوْلَى لِلسَّامِعِ أَنْ يُظْهِرَ طَرَشًا أَوْ غَفْلَةً أَوْ نَوْمًا أَوْ يَتَوَضَّأَ هُوَ وَغَيْرُهُ سَتْرًا لِذَلِكَ. انْتَهَى.

قَالَ الْمَهْدَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَجَسَّسَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ اطَّلَعَ مِنْهُ عَلَى رِيبَةٍ وَجَبَ أَنْ يَسْتُرَهَا وَيَعِظَهُ مَعَ ذَلِكَ وَيُخَوِّفَهُ بِاَللَّهِ. قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْكَيِّسُ الْعَاقِلُ هُوَ الْفَطِنُ الْمُتَغَافِلُ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ:

وَإِنِّي لَأَعْفُو عَنْ ذُنُوبٍ كَثِيرَةٍ ... وَفِي دُونِهَا قَطْعُ الْحَبِيبِ الْمُوَاصِلِ

وَأُعْرِضُ عَنْ ذِي اللُّبِّ حَتَّى كَأَنَّنِي ... جَهِلْت الَّذِي يَأْتِي وَلَسْت بِجَاهِلِ

وَأَنْشَدَ الْإِمَامُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَعْنَى:

وَمَنْ لَمْ يَغُضَّ عَيْنَهُ عَنْ صَدِيقِهِ ... وَعَنْ بَعْضِ مَا فِيهِ يَمُتْ وَهُوَ عَائِبُ

وَمَنْ يَتَتَبَّعْ جَاهِدًا كُلَّ عَثْرَةٍ ... يَجِدْهَا وَلَا يَسْلَمْ لَهُ الدَّهْرَ صَاحِبُ

هَذَا كُلُّهُ فِي هِجْرَانِ أَرْبَابِ الْمَعَاصِي.

وَأَمَّا هِجْرَانُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ فَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ فِي نَظْمِهِ فَقَالَ:

مَطْلَبٌ: فِي هَجْرِ مَنْ يَدْعُو لِأَمْرٍ مُضِلٍّ:

وَهِجْرَانُ مَنْ يَدْعُو لِأَمْرٍ مُضِلٍّ أَوْ ... مُفَسِّقٍ احْتِمْهُ بِغَيْرِ تَرَدُّدِ

(وَهِجْرَانُ مَنْ) أَيْ إنْسَانٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْ غَيْرِهِمْ (يَدْعُو) النَّاسَ جَهْرَةً أَوْ خُفْيَةً (لِ) إجَابَةِ (أَمْرٍ) مِنْ الدِّينِ مِنْ الْأَقْوَالِ أَوْ الْأَفْعَالِ أَوْ الِاعْتِقَادَاتِ الْفَاسِدَةِ (مُضِلٍّ) تَائِهٌ حَائِدٌ عَنْ النَّهْجِ الْقَوِيمِ، وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ، وَالرَّسُولُ الْعَظِيمُ، عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ، أَوْ الصَّحَابَةُ أَهْلُ التَّقْوَى وَالْإِصَابَةِ، الَّذِينَ هُمْ خَيْرُ عِصَابَةٍ، أَوْ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، أَوْ الْقَرْنِ الثَّالِثِ الَّذِي نَطَقَ بِفَضْلِهِ سَيِّدُ الْأَكْوَانِ، فِي قَوْلِهِ «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» فَهَؤُلَاءِ الْقُرُونُ الثَّلَاثَةُ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْوِرَاثَةِ، لَا مَا نَهَجَتْهُ الْجَهْمِيَّةُ وَأَضْرَابُهُمْ مِنْ الْفِرَقِ الضَّالَّةِ وَالطَّوَائِفِ الْمَائِلَةِ الزَّالَّةِ، فَهَؤُلَاءِ حَتْمٌ هِجْرَانُهُمْ، وَلَا تَرْعَ شَأْنَهُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>