للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهَا عِنْدَ إرَادَةِ الِانْتِقَالِ مِنْ أُسْلُوبٍ إلَى غَيْرِهِ، أَيْ بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -. وَيُسْتَحَبُّ الْإِتْيَانُ بِهَا فِي الْخُطَبِ وَالْمُكَاتَبَاتِ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُهَا فِي خُطَبِهِ وَمُكَاتَبَاتِهِ إلَى الْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ، مِثْلُ كِتَابِهِ إلَى قَيْصَرَ عَظِيمِ الرُّومِ، وَكِسْرَى عَظِيمِ الْفُرْسِ، وَالْمُقَوْقَسِ صَاحِبِ مِصْرَ، وَغَيْرِهِمْ.

وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْقَاضِي عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ عَلَاءُ الدِّينِ الْمِرْدَاوِيُّ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ أَنَّهُ نَقَلَ إتْيَانَهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَمَّا بَعْدُ فِي خُطَبِهِ وَنَحْوِهَا خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ صَحَابِيًّا. وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا ظَرْفُ زَمَانٍ، وَرُبَّمَا اُسْتُعْمِلَتْ ظَرْفَ مَكَان. وَتُقْطَعُ عَنْ الْإِضَافَةِ فَتُبْنَى إذَا نَوَى مَعْنَى الْمُضَافِ إلَيْهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: ٤] وَإِذَا قُطِعَتْ عَنْ الْإِضَافَةِ رَأْسًا أُعْرِبَتْ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

وَسَاغَ لِي الشَّرَابُ وَكُنْت قَبْلًا ... أَكَادُ أَغَصُّ بِالْمَاءِ الْفُرَاتِ

فَإِنَّ بَعْدُ كَقَبْلُ، وَإِنْ ذَكَرَ الْمُضَافَ إلَيْهِ أُعْرِبَتْ كَمَا إذَا حَذَفَ وَنَوَى ثُبُوتَ لَفْظِهِ، كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:

وَمِنْ قَبْلِ نَادَى كُلُّ مَوْلَى قَرَابَةً ... فَمَا عَطَفَتْ مَوْلَى عَلَيْهِ الْعَوَاطِفُ

بِجَرِّ قَبْلِ لِأَنَّهُ نَوَى ثُبُوتَ لَفْظِهِ ذَلِكَ.

مَطْلَبٌ: أَوَّلُ مَنْ نَطَقَ بِأَمَّا بَعْدُ

وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ نَطَقَ بِهَا، فَقِيلَ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهَا فَصْلُ الْخِطَابِ الَّذِي أُوتِيَهُ دَاوُد. وَقِيلَ يَعْقُوبُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَقِيلَ يَعْرُبُ بْنُ قَحْطَانَ. وَقِيلَ كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ. وَقِيلَ قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ. وَقِيلَ سَحْبَانُ بْنُ وَائِلٍ. وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ كَمَا قَالَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ، وَالْجَمْعُ مُمْكِنٌ.

وَنَظَمَ ذَلِكَ الشَّمْسُ الْمَيْدَانِيُّ فَقَالَ:

جَرَى الْخُلْفُ أَمَّا بَعْدُ مَنْ كَانَ بَادِئًا ... بِهَا عَدَّ أَقْوَالًا وَدَاوُد أَقْرَبُ

وَيَعْقُوبُ أَيُّوبُ الصَّبُورُ وَآدَمُ ... وَقُسٌّ وَسَحْبَانُ وَكَعْبٌ وَيَعْرُبُ

[مطلب: النَّاس فِي الْأَدَب عَلَى طَبَقَات]

(فَإِنِّي) الْفَاءُ وَاقِعَةٌ فِي جَوَابِ مَهْمَا النَّائِبَةِ عَنْهَا أَمَّا، النَّائِبَةِ عَنْهَا الْوَاوُ (سَوْفَ) حَرْفُ تَنْفِيسٍ وَاسْتِقْبَالٍ (أَنْظِمُ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مِنْ النَّظْمِ وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>