للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالسُّنَّةُ طَافِحَةٌ بِأَمْثَالِ ذَلِكَ.

مِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا فَقَالَ مَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا، فَقَالَ مَنْ اتَّبَعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جِنَازَةً؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا، قَالَ مَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ قَطُّ فِي رَجُلٍ إلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ» .

وَمُقْتَضَى نَصِّ إمَامِنَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنَا فُلَانٌ أَوْ أَنَا أَبُو فُلَانٍ لَمْ يُكْرَهْ كَمَا فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى، وَهُوَ عَيْنُ الصَّوَابِ.

ثُمَّ رَأَيْته صَحِيحًا.

فَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى الْمَسْجِدَ وَأَبُو مُوسَى يَقْرَأُ قَالَ فَجِئْت فَقَالَ مَنْ هَذَا قُلْت أَنَا بُرَيْدَةُ» .

وَفِي الصَّحِيحِ فِي حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ فَقُلْت أَنَا أُمُّ هَانِئٍ.

وَلِذَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ أَنَا الشَّيْخُ فُلَانٌ أَوْ الْقَارِئُ فُلَانٌ أَوْ الْقَاضِي فُلَانٌ إذَا لَمْ يَحْصُلْ التَّمْيِيزُ إلَّا بِذَلِكَ.

وَإِنَّمَا عِلَّةُ الْكَرَاهَةِ لِعَدَمِ حُصُولِ الْفَائِدَةِ بِقَوْلِهِ: أَنَا فَإِنَّهُ مَا زَادَ عَلَى أَنَّ ثَمَّ عَلَى الْبَابِ إنْسَانًا، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِالِاسْتِئْذَانِ.

(الثَّالِثَةُ) : يَنْبَغِي لِلْمُسْتَأْذِنِ أَنْ لَا يَدُقَّ الْبَابَ بِعُنْفٍ لِنِسْبَةِ فَاعِلِ ذَلِكَ عُرْفًا إلَى قِلَّةِ الْأَدَبِ، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ رَبُّ الْمَنْزِلِ شَيْخَهُ، وَلِذَا كَانُوا يَقْرَعُونَ بُيُوتَ الْأَشْيَاخِ بِالْأَظَافِرِ.

وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّ أَبْوَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ تُقْرَعُ بِالْأَظَافِرِ» . وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَهَذَا مَحْمُولٌ مِنْهُمْ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْأَدَبِ، وَهُوَ حَسَنٌ لِمَنْ قَرُبَ مَحَلُّهُ مِنْ بَابِهِ، وَأَمَّا مَنْ بَعُدَ عَنْ الْبَابِ فَيُقْرَعُ بِحَسَبِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ.

مَطْلَبٌ: فِي جُلُوسِ الدَّاخِلِ حَيْثُ أَجْلَسَهُ رَبُّ الْمَنْزِلِ

(الرَّابِعَةُ) : إذَا دَخَلَ يَجْلِسُ حَيْثُ أَجْلَسَهُ رَبُّ الْمَنْزِلِ، وَقِيلَ: بَلْ حَيْثُ انْتَهَى مِنْهُ كَذَا فِي الرِّعَايَةِ. وَفِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَحَاصِلُ ذَلِكَ وَتَحْقِيقُهُ: أَنَّهُ إنْ أَمَرَهُ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ بِالْجُلُوسِ فِي مَكَان مِنْهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَعَدَّاهُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَسُلْطَانُهُ وَتَكْرِمَتُهُ.

وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَأْذَنْ فِي الدُّخُولِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمُقَامُ فِيهِ. وَهَذَا وَاضِحٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>