للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَ) يَحْسُنُ تَحْسِينٌ (لِصُحْبَةٍ) مَنْ يَصْحَبُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ ذَلِكَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ. فَإِنَّ مَعْنَى الدِّينِ سَفَرٌ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَمِنْ أَرْكَانِ السَّفَرِ حُسْنُ الصُّحْبَةِ فِي مَنَازِلِ السَّفَرِ مَعَ الْمُسَافِرِينَ. وَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ مُسَافِرُونَ يَسِيرُ بِهِمْ الْعُمْرُ سَيْرَ السَّفِينَةِ بِرَاكِبِهَا فِي الْبَحْرِ. وَأَقَلُّ دَرَجَاتِ حُسْنِ الصُّحْبَةِ كَفُّ الْأَذَى عَنْهُمْ، وَهَذَا وَاجِبٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السُّوءَ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَبْدٌ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو يُعْلَى وَالْبَزَّارُ وَإِسْنَادُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ جَيِّدٌ. وَفَوْقَ ذَلِكَ أَنْ يَنْفَعَهُمْ وَيُحْسِنَ إلَيْهِمْ. وَأَعْلَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَحْتَمِلَ الْأَذَى مِنْهُمْ، وَيُحْسِنَ مَعَ ذَلِكَ إلَيْهِمْ، وَهَذِهِ دَرَجَةُ الصِّدِّيقِينَ.

وَمِنْ كَلَامِ الْحُكَمَاءِ: مَنْ أَحْسَنَ إلَى مَنْ أَسَاءَ إلَيْهِ فَقَدْ أَخْلَصَ لِلَّهِ شُكْرًا، وَمَنْ أَسَاءَ إلَى مَنْ أَحْسَنَ إلَيْهِ فَقَدْ اسْتَبْدَلَ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا. وَقَدْ سُئِلَ سَيِّدُنَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ حُسْنِ الْخُلُقِ فَقَالَ أَنْ لَا تَغْضَبَ وَلَا تَحْقِدَ. وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: حُسْنُ الْخُلُقِ أَنْ تَحْتَمِلَ مَا يَكُونُ مِنْ النَّاسِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: حُسْنُ الْخُلُقِ الْكَرَمُ وَالْبِذْلَةُ وَالِاحْتِمَالُ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ: الْبِذْلَةُ وَالْعَطِيَّةُ وَالْبِشْرُ الْحُسْنُ. وَكَانَ الشَّعْبِيُّ كَذَلِكَ. وَعَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ: بَسْطُ الْوَجْهِ وَبَذْلُ الْمَعْرُوفِ وَكَفُّ الْأَذَى.

وَسُئِلَ سَلَّامُ بْنُ مُطِيعٍ عَنْ حُسْنِ الْخُلُقِ فَأَنْشَدَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:

تَرَاهُ إذَا مَا جِئْتَهُ مُتَهَلِّلًا ... كَأَنَّك تُعْطِيهِ الَّذِي أَنْتَ سَائِلُهُ

فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي كَفِّهِ غَيْرُ رُوحِهِ ... لَجَادَ بِهَا فَلْيَتَّقِ اللَّهَ سَائِلُهُ

هُوَ الْبَحْرُ مِنْ أَيِّ النَّوَاحِي أَتَيْتَهُ ... فَلُجَّتُهُ الْمَعْرُوفُ وَالْبَحْرُ سَاحِلُهُ

مَطْلَبٌ: فِي الْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ.

وَقَدْ وَرَدَ فِي مَدْحِ حُسْنِ الْخُلُقِ وَذَمِّ سُوءِ الْخُلُقِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ سَنَذْكُرُ مِنْهَا طَرَفًا صَالِحًا. وَكَانَ نِهَايَةُ هَذَا الْعَالَمِ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ نَبِيَّهُ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلِذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّهِ {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: ٤] فَمَا بَالُكَ بِمَا يَسْتَعْظِمُهُ الْحَقُّ جَلَّ شَأْنُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>