للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَتَشْمِيتُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَإِجَابَةُ الْمُشَمِّتِ فَرْضُ عَيْنٍ مِنْ الْوَاحِدِ وَمِنْ الْجَمَاعَةِ بِأَنْ عَطَسَ جَمَاعَةٌ فَشُمِّتُوا فَرْضُ كِفَايَةٍ كَمَا صَرَّحُوا بِذَلِكَ خِلَافًا لِظَاهِرِ الدَّلِيلِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ.

وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ تَشْمِيتَ الْعَاطِسِ فَرْضُ عَيْنٍ. قَالَ الْإِمَامُ بْنُ الْقَيِّمِ: وَلَا دَافِعَ لَهُ. انْتَهَى. لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ يَرْحَمُك اللَّهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا «فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ يَرْحَمُك اللَّهُ» .

[فَوَائِد: فِي الْعُطَاس]

(فَوَائِدُ) الْأُولَى قَالَ الْإِمَامُ بْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ مِفْتَاحِ دَارِ السَّعَادَةِ: وَمِمَّا كَانَ الْجَاهِلِيَّةُ يَتَطَيَّرُونَ بِهِ وَيَتَشَاءَمُونَ مِنْهُ الْعُطَاسُ كَمَا يَتَشَاءَمُونَ بِالْبَوَارِحِ وَالسَّوَانِحِ.

قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ يَصِفُ فَلَاةً:

قَطَعْتُهَا وَلَا أَهَابُ الْعُطَاسَا

وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

وَقَدْ أَغْتَدِي قَبْلَ الْعُطَاسِ بِهَيْكَلٍ ... شَدِيدِ مَسَدِّ الْجَيْبِ نِعْمَ الْمَنْطِقُ

أَرَادَ أَنَّهُ كَانَ تَنَبَّهَ لِلصَّيْدِ قَبْلَ أَنْ يَتَنَبَّهَ النَّاسُ مِنْ نَوْمِهِمْ لِئَلَّا يَسْمَعَ عُطَاسًا فَيَتَشَاءَمَ بِهِ، وَكَانُوا إذَا عَطَسَ مَنْ يُحِبُّونَهُ قَالُوا لَهُ: عُمْرًا وَشَبَابًا، وَإِذَا عَطَسَ مَنْ يَكْرَهُونَهُ قَالُوا لَهُ: وَرْيًا وَقُحَابًا. وَالْوَرْيُ كَالرَّمْيِ دَاءٌ يُصِيبُ الْكَبِدَ فَيُفْسِدُهَا، وَالْقُحَابُ كَالسُّعَالِ وَزْنًا وَمَعْنًى، فَكَأَنَّ الرَّجُلَ إذَا سَمِعَ عُطَاسًا فَتَشَاءَمَ بِهِ يَقُولُ بِك لَا بِي أَيْ أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ شُؤْمَ عُطَاسِك بِك لَا بِي.

وَكَانَ تَشَاؤُمُهُمْ بِالْعَطْسَةِ الشَّدِيدَةِ أَشَدَّ كَمَا يُحْكَى عَنْ بَعْضِ الْمُلُوكِ أَنَّ مُسَامِرًا لَهُ عَطَسَ عَطْسَةً شَدِيدَةً رَاعَتْهُ، فَغَضِبَ الْمَلِكُ، فَقَالَ سَمِيرُهُ: وَاَللَّهِ مَا تَعَمَّدْت ذَلِكَ وَلَكِنَّ هَذَا عُطَاسِي، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَئِنْ لَمْ تَأْتِنِي بِمَنْ يَشْهَدُ لَك بِذَلِكَ لَأَقْتُلَنَّكَ، فَقَالَ أَخْرِجْنِي إلَى النَّاسِ لَعَلِّي أَجِدُ مَنْ يَشْهَدُ لِي، فَأُخْرِجَ وَقَدْ وَكَّلَ بِهِ الْأَعْوَانَ، فَوَجَدَ رَجُلًا فَقَالَ: نَشَدْتُك بِاَللَّهِ إنْ كُنْت سَمِعْت عُطَاسِي يَوْمًا فَلَعَلَّك تَشْهَدُ لِي بِهِ عِنْدَ الْمَلِكِ، فَقَالَ: نَعَمْ أَنَا أَشْهَدُ لَك فَنَهَضَ مَعَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>