للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَائِدَةٌ فِيمَا يُكْتَبُ لِلْخَوْفِ مِنْ الْعَدُوِّ

وَقَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: مَنْ كَانَ هَارِبًا مِنْ عَدُوِّهِ فَلْيَكْتُبْ بِسَوْطِهِ بَيْنَ أُذُنَيْ دَابَّتِهِ {لا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى} [طه: ٧٧] آمَنَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْخَوْفِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي قَوْله تَعَالَى {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ} [القصص: ٣٢] : الْمَعْنَى اُضْمُمْ يَدَك إلَى صَدْرِك لِيَذْهَبَ عَنْك الْخَوْفُ.

قَالَ مُجَاهِدٌ: كُلُّ مَنْ فَزِعَ فَضَمَّ جَنَاحَهُ إلَيْهِ ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، وَالْخَوَاصُّ كَثِيرَةٌ، وَالْفَوَائِدُ غَزِيرَةٌ وَكُلُّهَا، أَوْ غَالِبُهَا مُسْتَفَادَةٌ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ الْحَبْلُ بَيْنَ اللَّهِ وَخَلْقِهِ؛ وَلِذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ: الْأَدْوِيَةُ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ وَالرُّقَى أَعْظَمُ أَنْوَاعِ الْأَدْوِيَةِ حَتَّى قَالَ بُقْرَاطُ: نِسْبَةُ طِبِّنَا إلَى طِبِّ أَصْحَابِ الْهَيَاكِلِ كَنِسْبَةِ طِبِّ الْعَجَائِزِ إلَى طِبِّنَا قَالَ بَعْضُهُمْ: طِبُّهُمْ بِالنِّسْبَةِ إلَى طِبِّ الْأَنْبِيَاءِ كَطِبِّ الطَّرْقِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى طِبِّهِمْ، وَإِنَّ نِسْبَةَ طِبِّهِمْ إلَى طِبِّ الْأَنْبِيَاءِ كَنِسْبَةِ عُلُومِهِمْ إلَى عُلُومِ الْأَنْبِيَاءِ؛ لِأَنَّ طِبَّ الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ قَطْعِيٌّ وَطِبُّهُمْ إمَّا قِيَاسٌ أَوْ تَجْرِبَةٌ، أَوْ وَهْمٌ، أَوْ إلْهَامٌ أَوْ حَدْسٌ، أَوْ مَنَامٌ، وَبَيْنَ ذَلِكَ وَالْوَحْيِ، كَمَا بَيْنَ الْهُدَى وَالْغَيِّ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

مَطْلَبٌ: فِي جَوَازِ الْوَسْمِ بِغَيْرِ الْوَجْهِ

وَحَلَّ بِغَيْرِ الْوَجْهِ وَسْمُ بَهَائِمَ ... وَفِي الْأَشْهَرِ اكْرَهْ جَزَّ ذَيْلٍ مُمَدَّدِ

(وَحَلَّ) أَيْ أُبِيحَ (بِ) أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ الْحَيَوَانِ (غَيْرِ الْوَجْهِ وَسْمُ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْكَيُّ قَالَ عِيَاضٌ: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: بِمُهْمَلَةٍ وَبِمُعْجَمَةٍ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: بِمُهْمَلَةٍ فِي الْوَجْهِ وَبِمُعْجَمَةٍ فِي بَقِيَّةِ سَائِرِ الْجَسَدِ (بَهَائِمَ) جَمْعُ بَهِيمَةٍ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّمُ، وَقَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَامِ النَّاظِمِ حِلَّ الْوَسْمِ فِي غَيْرِ الْوَجْهِ، وَمَفْهُومُ نِظَامِهِ عَدَمُ الْحِلِّ فِي الْوَجْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّعَايَةِ.

وَفِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: لَا يَسِمُ فِي الْوَجْهِ وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي غَيْرِهِ قَالَ جَابِرٌ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ضَرْبِ الْوَجْهِ وَعَنْ وَسْمِ الْوَجْهِ» . وَفِي لَفْظٍ «مَرَّ عَلَيْهِ بِحِمَارٍ قَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ وَسَمَهُ» . وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِمَارًا مَوْسُومَ الْوَجْهِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَسِمُهُ إلَّا فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ الْوَجْهِ وَأَمَرَ بِحِمَارِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>