للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهُ إلَيْهِ يَا نُوحُ اتَّخِذْ كَلْبًا يَحْرُسْك فَاتَّخَذَ نُوحٌ كَلْبًا، وَكَانَ يَعْمَلُ بِالنَّهَارِ، وَيَنَامُ بِاللَّيْلِ، فَإِذَا جَاءَ قَوْمُهُ لِيُفْسِدُوا بِاللَّيْلِ نَبَحَهُمْ الْكَلْبُ فَيَنْتَبِهُ نُوحٌ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَيَأْخُذُ الْهِرَاوَةَ فَيَثِبُ لَهُمْ فَيَهْرُبُونَ مِنْهُ فَالْتَأَمَ لَهُ مَا أَرَادَ. .

مَطْلَبٌ: فِي ذِكْرِ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ.

(الثَّانِيَةُ) : ثَبَتَ فِي عِدَّةِ أَخْبَارٍ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ. فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ» .

وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ بُرَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «احْتَبَسَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَا حَبَسَك؟ فَقَالَ: إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ» وَهَذَا ثَابِتٌ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ.

قَالَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُمْ فِي سَبَبِ امْتِنَاعِ الْمَلَائِكَةِ مِنْ دُخُولِ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ صُورَةٌ كَوْنُهَا مَعْصِيَةً فَاحِشَةً، وَفِيهَا مُضَاهَاةٌ لِخَلْقِ اللَّهِ، وَبَعْضُهَا فِي صُورَةِ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَأَمَّا سَبَبُ امْتِنَاعِهِمْ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ كَلْبٌ فَكَثْرَةُ أَكْلِهِ النَّجَاسَاتِ، وَكَوْنُ بَعْضِ الْكِلَابِ يُسَمَّى شَيْطَانًا كَمَا جَاءَ فِي الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ، وَالْمَلَائِكَةُ ضِدُّ الشَّيَاطِينِ وَلِقُبْحِ رَائِحَةِ الْكَلْبِ، وَالْمَلَائِكَةُ تَكْرَهُ الرَّائِحَةَ الْقَبِيحَةَ الْخَبِيثَةَ، وَلِأَنَّهَا مَنْهِيٌّ عَنْ اتِّخَاذِهَا فَعُوقِبَ مُتَّخِذُهَا بِحِرْمَانِ دُخُولِ الْمَلَائِكَةِ بَيْتَهُ وَصَلَاتِهَا فِيهِ وَاسْتِغْفَارِهَا لَهُ وَتَبَرُّكِهَا عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ وَدَفْعِهَا أَذَى الشَّيَاطِينِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ لَا يَدْخُلُونَ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ مَلَائِكَةٌ يَطُوفُونَ بِالرَّحْمَةِ وَالتَّبَرُّكِ وَالِاسْتِغْفَارِ فَهُمْ مَلَائِكَةُ الْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ.

وَأَمَّا الْحَفَظَةُ، وَالْمُوَكَّلُونَ بِقَبْضِ الْأَرْوَاحِ فَيَدْخُلُونَ كُلَّ بَيْتٍ وَلَا يُفَارِقُونَ بَنِي آدَمَ فِي حَالٍ؛ لِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِإِحْصَاءِ أَعْمَالِهِمْ وَكِتَابَتِهَا. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَإِنَّمَا لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ مِمَّا يَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ مِنْ الْكِلَابِ وَالصُّوَرِ، فَأَمَّا مَا لَيْسَ بِحَرَامٍ مِنْ كَلْبِ الصَّيْدِ وَالزَّرْعِ، وَالْمَاشِيَةِ وَالصُّورَةِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبِسَاطَةِ، وَالْوِسَادَةِ وَغَيْرِهَا فَلَا يَمْتَنِعُ دُخُولُ الْمَلَائِكَةِ بِسَبَبِهِ وَأَشَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إلَى نَحْوِ مَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ كَلْبٍ وَصُورَةٍ لِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَم.

<<  <  ج: ص:  >  >>