للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قُلْت: النَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فَمَا لَكُمْ لَمْ تَقُولُوا بِالْحُرْمَةِ هَهُنَا؟ فَالْجَوَابُ كَمَا فِي وَاضِحِ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي حُسْنَ الْمَأْمُورِ بِهِ وَلَا النَّهْيَ قُبْحَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ عَقْلًا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ خِلَافًا لِلْقَدَرِيَّةِ فَقَدْ نَهَى الشَّارِعُ عَنْ أَشْيَاءَ الْأَوْلَى تَرْكُهَا لَا لِقُبْحِهَا كَالْقِرَانِ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ وَكَنْسِ الْبَيْتِ بِالْخِرْقَةِ، وَالْجُلُوسِ فِي الْمَنَارَةِ وَالشُّرْبِ مِنْ ثُلْمَةِ الْإِنَاءِ كَذَا قَالَ.

وَمُرَادُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَفْيُ كَوْنِ الْعَقْلِ يُحَسِّنُ، أَوْ يُقَبِّحُ قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَالْحَسَنُ شَرْعًا، وَالْقَبِيحُ شَرْعًا مَا أَمَرَ بِهِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَهَذَا رَاجِعٌ لِلْحُسْنِ، وَمَا نَهَى عَنْهُ، وَهَذَا رَاجِعٌ لِلْقَبِيحِ قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَلِ: إذَا أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِفِعْلٍ فَهُوَ حَسَنٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِذَا نَهَى عَنْ فِعْلٍ فَقَبِيحٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ قِرَانِ التَّمْرِ التَّحْرِيمُ وَعَنْ غَيْرِهِمْ لِلْكَرَاهَةِ، وَالْأَدَبِ. وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ الصَّوَابَ التَّفْصِيلُ، فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَالْقِرَانُ حَرَامٌ إلَّا بِرِضَاهُمْ بِقَوْلٍ، أَوْ قَرِينَةٍ يَحْصُلُ بِهَا عِلْمٌ، أَوْ ظَنٌّ، وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ لِغَيْرِهِمْ، أَوْ لِأَحَدِهِمْ اُشْتُرِطَ رِضَاهُ وَحْدَهُ، فَإِنْ قَرَنَ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَحَرَامٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الْآكِلِينَ مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ لِنَفْسِهِ، وَقَدْ ضَيَّفَهُمْ فَحَسَنٌ أَنْ لَا يَقْرِنَ لِيُسَاوِيَهُمْ إنْ كَانَ فِيهِ قِلَّةٌ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا بِحَيْثُ يَفْضُلُ عَنْهُمْ فَلَا بَأْسَ لَكِنَّ الْإِذْنَ مُطْلَقًا الْأَدَبُ وَتَرْكُ الشَّرَهِ. نَعَمْ يَطْلُبُ إذْنَهُمْ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ إنْ كَانَ مُسْتَعْجِلًا وَيُرِيدُ الْإِسْرَاعَ لِشُغْلٍ آخَرَ.

وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: إنَّمَا كَانَ هَذَا فِي زَمَنِهِمْ حِينَ كَانَ الطَّعَامُ ضَيِّقًا، فَأَمَّا الْيَوْمَ مَعَ اتِّسَاعِ الْحَالِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِذْنِ. قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَفِيمَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

مَطْلَبٌ: فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْجُلُوسِ لِلطَّعَامِ:

وَكُلْ جَالِسًا فَوْقَ الْيَسَارِ وَنَاصِبَ ... الْيَمِينِ وَبَسْمِلْ ثُمَّ فِي الِانْتِهَا أَحْمَدُ

(وَكُلْ) فِعْلُ أَمْرٍ مِنْ أَكَلَ، وَهُوَ لِلنَّدْبِ فَيُسَنُّ أَكْلُك حَالَ كَوْنِك (جَالِسًا فَوْقَ) رِجْلِك (الْيَسَارِ وَنَاصِبَ) الرِّجْلِ (الْيَمِينِ) مِنْك وَمُسْنِدًا بَطْنَك إلَى فَخِذِك الْيَمِينِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>