للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَطْلَبٌ: مَرَاتِبُ الْغِذَاءِ ثَلَاثَةٌ

، وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ: مَرَاتِبُ الْغِذَاءِ ثَلَاثَةٌ:

(أَحَدُهَا) : مَرْتَبَةُ الْحَاجَةِ.

(وَالثَّانِيَةُ) : مَرْتَبَةُ الْكِفَايَةِ.

(وَالثَّالِثَةُ) : مَرْتَبَةُ الْفَضِيلَةِ.

فَأَخْبَرَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ يَكْفِيهِ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ» فَلَا تَسْقُطُ قُوَّتُهُ وَلَا يَضْعُفُ، فَإِنْ تَجَاوَزَهَا فَلْيَأْكُلْ ثُلُثَ بَطْنِهِ وَيَدَعْ الثُّلُثَ الْآخَرَ لِلْمَاءِ وَالثَّالِثَ لِلنَّفَسِ، وَهَذَا أَنْفَعُ لِلْبَدَنِ، وَالْقَلْبِ، فَإِنَّ الْبَدَنَ إذَا امْتَلَأَ مِنْ الطَّعَامِ وَضَاقَ عَنْ الشَّرَابِ، فَإِذَا وَرَدَ عَلَيْهِ الشَّرَابُ ضَاقَ عَنْ النَّفَسِ وَعَرَضَ لَهُ الْكَرْبُ وَالتَّعَبُ بِحَمْلِهِ بِمَنْزِلَةِ الْحَمْلِ الثَّقِيلِ هَذَا مَعَ مَا يَلْزَمُ ذَلِكَ مِنْ فَسَادِ الْقَلْبِ وَكَسَلِ الْجَوَارِحِ عَنْ الطَّاعَاتِ، وَالْعِبَادَاتِ، فَالِامْتِلَاءُ مُضِرٌّ لِلْقَلْبِ، وَالْبَدَنِ، هَذَا إذَا كَانَ دَائِمًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الْأَحْيَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَاسْتَشْهَدَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبِشِبَعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِرَارًا بِحَضْرَتِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَذَا بَعْضُ مَنَافِعِ تَقْلِيلِ الْغِذَاءِ وَتَرْكِ التَّمَلِّي مِنْ الطَّعَامِ بِالنِّسْبَةِ إلَى صَلَاحِ الْبَدَنِ وَصِحَّتِهِ.

وَأَمَّا مَنَافِعُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَلْبِ وَصَلَاحِهِ، فَإِنَّ قِلَّةَ الْغِذَاءِ تُوجِبُ رِقَّةَ الْقَلْبِ وَقُوَّةَ الْفَهْمِ وَانْكِسَارَ النَّفْسِ وَضَعْفَ الْهَوَى، وَالْغَضَبِ، وَكَثْرَةَ الْغِذَاءِ تُوجِبُ ضِدَّ ذَلِكَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: يَا ابْنَ آدَمَ كُلْ فِي ثُلُثِ بَطْنِك وَاشْرَبْ فِي ثُلُثٍ وَدَعْ ثُلُثَ بَطْنِك لِلنَّفَسِ لِتَتَفَكَّرَ، وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ: جَعَلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُعَظِّمُ أَمْرَ الْجُوعِ، وَالْفَقْرِ فَقُلْت: يُؤْجَرُ الرَّجُلُ فِي تِلْكَ الشَّهَوَاتِ؟ فَقَالَ: وَكَيْفَ لَا يُؤْجَرُ وَابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: مَا شَبِعْت مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ؟ قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: يَجِدُ الرَّجُلُ مِنْ قَلْبِهِ رِقَّةً، وَهُوَ يَشْبَعُ؟ قَالَ: مَا أَرَى.

قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أَلَا أَجِيئُك بِجُوَارِشٍ قَالَ: وَأَيُّ شَيْءٍ يَهْضِمُ الطَّعَامَ إذَا أَكَلْته قَالَ: مَا شَبِعْت مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَكِنْ أَدْرَكْت أَقْوَامًا يَجُوعُونَ أَكْثَرَ مِمَّا يَشْبَعُونَ. وَرَوَى يَحْيَى بْنُ مَنْدَهْ فِي كِتَابِ مَنَاقِبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ» قَالَ: ثُلُثٌ لِلطَّعَامِ هُوَ الْقُوتُ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ هُوَ الْقُوَى وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ هُوَ الرُّوحُ. وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>