للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعُجْبُ بِزِينَةِ الدُّنْيَا مَقَتَهُ رَبُّهُ حَتَّى يُفَارِقَ تِلْكَ الزِّينَةَ؟ قَالَتْ فَنَزَعْتُهُ فَتَصَدَّقْتُ بِهِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَسَى ذَلِكَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكِ

مَطْلَبٌ: فِي بَيَانِ مَاهِيَّةِ الْعُجْبِ، وَبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكِبْرِ.

تَنْبِيهَاتٌ:

(الْأَوَّلُ) : قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْعُجْبُ بِالضَّمِّ: الزَّهْوُ وَالْكِبْرُ.

وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ الْكِبْرِ: هُوَ مُعَظِّمُ الشَّيْءِ وَالشَّرَفُ وَيُضَمُّ، وَالْإِثْمُ الْكَبِيرُ، كَالْكِبْرَةِ، بِالْكَسْرِ الرِّفْعَةِ فِي الشَّرَفِ وَالْعَظَمَةِ، وَالتَّجَبُّرُ كَالْكِبْرِيَاءِ، وَقَدْ تَكَبَّرَ وَاسْتَكْبَرَ وَتَكَابَرَ، وَكَصُرَدٍ جَمْعُ الْكُبْرَى. انْتَهَى.

فَقَدْ فَسَّرَ الْعُجْبَ بِالْكِبْرِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَكَذَا فَسَّرَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ.

وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا دَقِيقًا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ، مِنْهُمْ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَبْصِرَتِهِ فَقَالَ: أَعْلَمُ أَنَّ الْكِبْرَ خُلُقٌ بَاطِنٌ يَصْدُرُ عَنْهُ أَعْمَالٌ، وَذَلِكَ الْخُلُقُ هُوَ رُؤْيَةُ النَّفْسِ فَوْقَ الْمُتَكَبَّرِ عَلَيْهِ، وَيُفَارِقُهُ الْعُجْبُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْكِبْرَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يَتَكَبَّرُ عَلَيْهِ، وَالْعُجْبُ يُتَصَوَّرُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ غَيْرُ الْمُعْجَبِ.

وَالْمُتَكَبِّرِ يَرَى نَفْسَهُ أَعْلَى مِنْ الْغَيْرِ فَتَحْصُلُ لَهُ هِزَّةٌ وَفَرَحٌ، وَرُكُونٌ لَهُ إلَى مَا اعْتَقَدَهُ، وَذَلِكَ نَفْخُ الشَّيْطَانِ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ الشَّيْطَانِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْثِهِ وَنَفْخِهِ قَالَ: هَمْزُهُ الْمَوْتَةُ، وَنَفْثُهُ الشِّعْرُ، وَنَفْخُهُ الْكِبْرِيَاءُ» . .

مَطْلَبٌ: فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَهَابَةِ وَالْكِبْرِ

وَقَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ الرَّوْحِ الْكُبْرَى فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَهَابَةِ وَالْكِبْرِ: إنَّ الْمَهَابَةَ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ امْتِلَاءِ الْقَلْبِ بِعَظَمَةِ اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ وَإِجْلَالِهِ، فَإِذَا امْتَلَأَ الْقَلْبُ بِذَلِكَ حَلَّ فِيهِ النُّورُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ، وَأُلْبِسَ رِدَاءَ الْهَيْبَةِ، فَاكْتَسَى وَجْهُهُ الْحَلَاوَةَ وَالْمَهَابَةَ، فَأَخَذَ بِمَجَامِعِ الْقُلُوبِ مَحَبَّةً وَمَهَابَةً، فَحَنَّتْ إلَيْهِ الْأَفْئِدَةُ، وَقَرَّتْ بِهِ الْعُيُونُ، وَأَنِسَتْ بِهِ الْقُلُوبُ، فَكَلَامُهُ نُورٌ، وَمَدْخَلُهُ نُورٌ، وَمَخْرَجُهُ نُورٌ، وَعِلْمُهُ نُورٌ، إنْ سَكَتَ عَلَاهُ الْوَقَارُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ أَخَذَ بِالْقُلُوبِ وَالْأَسْمَاعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>