للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي قَوْلِهِمْ: مَا أَفْتَى مَالِكٌ حَتَّى أَجَازَهُ سَبْعُونَ مُحَنَّكًا، ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَذْبَةَ دُونَ تَحْنِيكٍ يَخْرُجُ مِنْهَا عَنْ الْمَكْرُوهِ؛ لِأَنَّ وَصْفَهُمْ بِالتَّحْنِيكِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ امْتَازُوا بِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَإِلَّا فَمَا كَانَ لِوَصْفِهِمْ بِالتَّحْنِيكِ فَائِدَةٌ؛ إذْ الْكُلُّ مُجْتَمِعُونَ فِيهِ.

وَقَدْ نَصَّ الشَّمْسُ الشَّامِيُّ عَنْ بَعْضِ سَادَاتِهِ إنَّمَا الْمَكْرُوهُ فِي الْعِمَامَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِهِمَا فَإِنْ كَانَا مَعًا فَهُوَ الْكَمَالُ فِي امْتِثَالِ الْأَمْرِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فَقَدْ خَرَجَ بِهِ عَنْ الْمَكْرُوهِ.

قُلْت: وَهَذَا ظَاهِرُ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَصْحَابِنَا فِي اعْتِبَارِ كَوْنِ الْعِمَامَةِ مُحَنَّكَةً أَوْ ذَاتَ ذُؤَابَةٍ، وَاجْتِمَاعُ الشَّيْئَيْنِ أَكْمَلُ كَمَا قَدَّمْنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .

مَطْلَبٌ: كَيْفِيَّةُ نَقْضِ الْعِمَامَةِ

(السَّابِعُ) : قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُجَدِّدَ الْعِمَامَةَ فَعَلَ كَيْفَ أَحَبَّ فِي نَقْضِهَا.

قَالَ: وَفِي كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَهَا مِنْ رَأْسِهِ وَيُلْقِيَهَا عَلَى الْأَرْضِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، لَكِنْ يَنْقُضُهَا كَمَا لَفَّهَا، لِأَنَّهُ هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعِمَامَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ إهَانَتِهَا، كَذَا ذَكَرُوا، وَاسْتَحْسَنَهُ مِنَّا الْحَجَّاوِيُّ، قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ ابْنِ عَوْفٍ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ.

قَالَ الْحَجَّاوِيُّ: وَلِأَنَّهُ إذَا نَقَضَهَا كَوْرًا كَوْرًا سَلِمَتْ مِنْ الِالْتِوَاءِ وَالْفَتْلِ انْتَهَى.

قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ: فَعَلَيْك أَنْ تَتَعَمَّمَ قَائِمًا وَتَتَسَرْوَلَ قَاعِدًا انْتَهَى.

وَفِي الْفُرُوعِ وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْغَايَةِ: يُكْرَهُ لُبْسُ الْخُفِّ وَالْإِزَارِ وَالسَّرَاوِيلِ قَائِمًا لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ كَشْفِ الْعَوْرَةِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ أَوْلَى انْتَهَى.

وَفِي قَلَائِدِ الْعِقْيَانِ فِيمَا يُورِثُ الْفَقْرَ وَالنِّسْيَانَ لِلْحَافِظِ بُرْهَانِ الدِّينِ النَّاجِي أَنَّ التَّعْمِيمَ قَاعِدًا وَالتَّسَرْوُلَ قَائِمًا يُورِثُ الْفَقْرَ وَالنِّسْيَانَ.

وَلَمْ يَذْكُرْ عُلَمَاؤُنَا كَرَاهَةَ التَّعْمِيمِ قَاعِدًا، بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى عَدَمُهُ فِيمَا يَظْهَرُ لِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .

مَطْلَبٌ: فِي بَيَانِ مَكَانِ إرْسَالِ الْعَذْبَةِ

الثَّامِنُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَكَانِ إرْسَالِ الْعَذْبَةِ عَلَى أَقْوَالٍ:

الْأَوَّلُ: إرْسَالُهَا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>