للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُتَصَرِّفٌ فِيهِ بِالْأَمْرِ تَصَرُّفَ الْعَبْدِ الْمَأْمُورِ الْمَنْهِيِّ لَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ، وَلِهَذَا لَا يُبَاحُ لَهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ فِيهِ إلَّا مَا وَافَقَ أَمْرَ مَالِكِهِ الْحَقِيقِيِّ، ثُمَّ إنَّ مَصِيرَ الْعَبْدِ وَمَرْجِعَهُ إلَى اللَّهِ مَوْلَاهُ الْحَقِّ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَخْلُفَ الدُّنْيَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ وَيَأْتِيَ رَبَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا كَمَا خَلَقَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ بِلَا أَهْلٍ، وَلَا مَالٍ وَلَا عَشِيرَةٍ، وَلَكِنْ يَأْتِيهِ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ.

فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ بِدَايَةَ الْعَبْدِ، وَمَا خَوَّلَهُ فِيهِ وَنِهَايَتُهُ وَحَالُهُ فِيهِ، فَكَيْفَ يَفْرَحُ الْعَبْدُ بِوَلَدٍ أَوْ مَالٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا، أَمْ كَيْفَ يَأْسَى عَلَى مَفْقُودٍ؟ .

فَفِكْرَةُ الْعَبْدِ فِي بِدَايَتِهِ وَنِهَايَتِهِ مِنْ أَعْظَمِ عِلَاجِ الْمَصَائِبِ.

وَمِنْ عِلَاجِهِ أَنْ يَعْلَمَ عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ.

قَالَ تَعَالَى {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ - لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: ٢٢ - ٢٣] .

وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ وَجَدَ فِيهَا شِفَاءً وَدَوَاءً لِكُلِّ مُصِيبَةٍ. انْتَهَى. .

مَطْلَبٌ: بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ (بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ) .

وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ، - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا تَعَاقَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، أَنَّ مَنْ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ فَذَكَرَهَا وَلَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَجَدَّدَ لَهَا اسْتِرْجَاعًا وَصَبْرًا جَدَّدَ اللَّهُ لَهُ ثَوَابًا وَأَجْرًا.

فَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ عَنْ سَيِّدِنَا الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَا مِنْ مُسْلِمٍ وَلَا مُسْلِمَةٍ يُصَابُ بِمُصِيبَةٍ فَيَذْكُرُهَا، وَإِنْ طَالَ عَهْدُهَا» - وَفِي لَفْظٍ، «وَإِنْ قَدُمَ عَهْدُهَا - فَيُحْدِثُ لِذَلِكَ اسْتِرْجَاعًا إلَّا جَدَّدَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ فَأَعْطَاهُ مِثْلَ أَجْرِهَا يَوْمَ أُصِيبَ بِهَا» .

وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ أَيْضًا وَلَفْظُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ فَذَكَرَ مُصِيبَتَهُ فَأَحْدَثَ اسْتِرْجَاعًا وَإِنْ تَقَادَمَ عَهْدُهَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلَهُ يَوْمَ أُصِيبَ» قَالَ الشَّمْسُ الْمِينَحِيُّ: فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>