للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَا اللِّبَاسُ، وَكُلُّ شُئُونِهِمْ كَانَتْ مُنْطَبِقَةً عَلَى هَذَا الشَّأْنِ.

وَهَذَا الْمُرَادُ بِقَوْلِ النَّاظِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا تَتَعَوَّدْ لِعَادَةٍ يَحْصُلُ لَكَ إذَا فَقَدْتَهَا بَعْضُ تَأَلُّمٍ أَوْ ضَرَرٍ، فَإِنَّ الطَّبِيعَةَ سَرَّاقَةٌ، فَمَنْ أَلِفَ التَّنَعُّمَ صَعُبَ عَلَيْهِ فِرَاقُهُ. فَيَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ تَارَةً هَكَذَا وَتَارَةً هَكَذَا، وَهَذَا شَأْنُ الْعَبْدِ مَعَ سَيِّدِهِ إنْ مَنَحَهُ شَكَرَ، وَإِنْ مَنَعَهُ صَبَرَ. .

مَطْلَبٌ: الْمُعْتَبَرُ مِنْ الْإِنْسَانِ الْمَعْنَى وَالصِّفَاتُ لَا الْمَلَابِسُ وَالذَّاتُ.

(الثَّانِيَةُ) : الْمُعْتَبَرُ مِنْ الْإِنْسَانِ الْمَعْنَى وَالصِّفَاتُ، لَا الْمَلَابِسُ وَالذَّاتُ. وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَبَذِّلَ الَّذِي لَا يُبَالِي مَا لَبِسَ»

وَرَوَى أَبُو مَنْصُورٍ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ الْبِرُّ فِي حُسْنِ اللِّبَاسِ وَالزِّيِّ وَلَكِنَّ الْبِرَّ فِي السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ» .

وَرَوَى أَبُو الْقَاسِمِ الْأَصْبَهَانِيُّ التَّيْمِيُّ فِي التَّرْغِيبِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ قَالَ: رَأَى عَلَيَّ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جُبَّةَ خَزٍّ فَقَالَ لِي: إنَّك حَسَنُ الْجُبَّةِ قُلْت وَمَا تُغْنِي عَنِّي، وَقَدْ أَفْسَدَهَا عَلَيَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَالِمٌ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، قَالَ لِي أَصْلِحْ قَلْبَكَ وَالْبَسْ مَا شِئْت.

قُلْت: وَقَدْ أَكْثَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْ أَصْحَابِ الرِّقَاقِ وَالْبُلَغَاءِ وَأَصْحَابِ الْحِكَمِ وَالدَّقَائِقِ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، فَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ الْوَرْدِيِّ فِي لَامِيَّتِهِ:

خُذْ بِنَصْلِ السَّيْفِ وَاتْرُكْ غِمْدَهُ ... وَاعْتَبِرْ فَضْلَ الْفَتَى دُونَ الْحُلَلْ

لَا يَضُرُّ الْفَضْلَ إقْلَالٌ كَمَا ... لَا يَضُرُّ الشَّمْسَ إطْبَاقُ الطَّفَلْ

فَنَصْلُ السَّيْفِ حَدِيدَتُهُ، وَغِمْدُهُ جَفْنُهُ، وَالْحُلَلُ جَمْعُ حُلَّةٍ، وَالطَّفَلُ الظُّلْمَةُ مِنْ اللَّيْلِ السَّاتِرَةُ لِلشَّمْسِ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّ أَصْحَابَ الْفَضَائِلِ الْكَامِلَةِ لَا يَضُرُّهُمْ إقْلَالُهُمْ ذَاتَ يَدِهِمْ وَلَا أَخْلَاقُ ثِيَابِهِمْ كَمَا لَا يَضُرُّ الْفَرَسَ الْعَتِيقَ خَلَاقَةُ جِلِّهِ، وَلَا الْجَمَلَ الْكَرِيمَ رَثَاثَةُ قَتَبِهِ.

وَمِثْلُهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ:

وَمَا ضَرَّ نَصْلَ السَّيْفِ إخْلَاقُ غِمْدِهِ ... إذَا كَانَ عَضْبًا حِينَ يَضْرِبُ بَاتِرًا

<<  <  ج: ص:  >  >>