للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الْمَعَرِّيُّ فِي قَصِيدَتِهِ اللَّامِيَّةِ وَيُقَالُ لَهَا الطَّامَّاتُ:

تُعَدُّ ذُنُوبِي عِنْدَ قَوْمٍ كَثِيرَةً ... وَلَا ذَنْبَ لِي إلَّا الْعُلَا وَالْفَضَائِلُ

إلَى أَنْ يَقُولَ فِيهَا:

وَإِنِّي وَإِنْ كُنْت الْأَخِيرَ زَمَانُهُ ... لَآتٍ بِمَا لَمْ تَسْتَطِعْهُ الْأَوَائِلُ

وَأَيُّ جَوَادٍ لَمْ يُحَلَّ لِجَامُهُ ... وَنِضْوُ يَمَانٍ أَغْفَلَتْهُ الصَّيَاقِلُ

وَإِنْ كَانَ فِي لُبْسِ الْفَتَى شَرَفٌ لَهُ ... فَمَا السَّيْفُ إلَّا غِمْدُهُ وَالْحَمَائِلُ

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ الْآدَمِيُّ خُلِقَ مِنْ التُّرَابِ، وَالتُّرَابُ مِنْ الْأَرْضِ، وَهِيَ تَارَةً تُعَرَّى وَأُخْرَى تُكْتَسَى. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَغْتَرُّ بِاللِّبَاسِ، فَإِنَّ الذَّاتَ أَشْرَفُ مِنْهُ، وَلَا يَغْتَرُّ بِالْأَجْسَامِ فَإِنَّ وَرَاءَ هَذَا الْجِسْمِ مَا هُوَ أَشْرَفُ مِنْهُ وَأَرْقَى مَنْزِلَةً، وَأَعْظَمَ شَأْنًا.

يَا خَادِمَ الْجِسْمِ كَمْ تَسْعَى لِخِدْمَتِهِ ... أَتَطْلُبُ الرِّبْحَ فِيمَا فِيهِ خُسْرَانُ

أَقْبِلْ عَلَى النَّفْسِ وَاسْتَكْمِلْ فَضَائِلَهَا ... فَأَنْتَ بِالرُّوحِ لَا بِالْجِسْمِ إنْسَانُ.

مَطْلَبٌ: فِي كَرَاهَةِ مِشْيَةِ الْمُطَيْطَا:

وَيُكْرَهُ فِي الْمَشْيِ الْمُطَيْطَا وَنَحْوُهَا ... مَظِنَّةَ كِبْرٍ غَيْرَ فِي حَرْبِ جُحَّدِ

(وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا (فِي الْمَشْيِ) جَارٌّ وَمَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِمَا قَبْلَهُ (الْمُطَيْطَا) نَائِبُ فَاعِلٍ أَيْ يَكْرَهُ الشَّارِعُ الْمُطَيْطَا كَجُمَيْزَا. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: التَّبَخْتُرُ وَمَدُّ الْيَدَيْنِ فِي الْمَشْيِ، وَيُقْصَرُ كَالْمُطَيْطَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي حَدِيثِ «إذَا مَشَتْ أُمَّتِي الْمُطَيْطَا» هِيَ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ مِشْيَةٌ فِيهَا تَبَخْتُرٌ وَمَدُّ الْيَدَيْنِ، وَيُقَالُ مَطَوْت وَمَطَطْت بِمَعْنَى مَدَدْت، وَهِيَ مِنْ الْمُصَغَّرَاتِ الَّتِي لَمْ تُسْتَعْمَلْ لَهَا مُكَبَّرٌ. وَقَالَ الْحَجَّاوِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْبَيْتِ: الْمُطَيْطَاءُ، بِضَمِّ الْمِيمِ مَمْدُودًا وَقَصَرَهُ النَّاظِمُ ضَرُورَةً. انْتَهَى. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْقَصْرَ لُغَةٌ فِيهَا لَا ضَرُورَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِنَّمَا كُرِهَتْ مِشْيَةُ الْمُطَيْطَاءِ لِمَا فِيهَا مِنْ رَوَائِحَ لِلْكِبْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَالزَّهْوِ وَالْعُجْبِ؛ فَلِهَذَا نَهَى عَنْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ضِمْنِ مَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ قَيْسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا مَشَتْ أُمَّتِي الْمُطَيْطَاءَ، وَخَدَمَتْهُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ سُلِّطَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ»

<<  <  ج: ص:  >  >>