للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّحْمَ، فَقَالَ يَا مُعَاوِيَةُ مَا هَذَا لَعَلَّك تَنَامُ نَوْمَةَ الضُّحَى؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِّمْنِي مِمَّا عَلَّمَك اللَّهُ.

وَاقْتَصَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ أَنَّ نَوْمَ النَّهَارِ رَدِيءٌ يُورِثُ الْأَمْرَاضَ الرُّطُوبِيَّةَ وَالنَّوَازِلَ، وَيُفْسِدُ اللَّوْنَ، وَيُورِثُ الطِّحَالَ، وَيُرْخِي الْعَصَبَ، وَيُكْسِلُ وَيُضْعِفُ الشَّهْوَةَ، إلَّا فِي الصَّيْفِ وَقْتَ الْهَاجِرَةِ. وَأَرْدَؤُهُ النَّوْمُ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَأَرْدَأُ مِنْهُ بَعْدَ الْعَصْرِ.

مَطْلَبٌ: فِي انْقِسَامِ النَّوْمِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ، وَأَنَّ النَّوْمَ أَخُو الْمَوْتِ

وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: النَّوْمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ، نَوْمَةُ الْخُرْقِ، وَنَوْمَةُ الْخَلْقِ وَنَوْمَةُ الْحُمْقِ. فَنَوْمَةُ الْخُرْقِ نَوْمَةُ الضُّحَى، وَنَوْمَةُ الْخَلْقِ هِيَ الَّتِي أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا أُمَّتَهُ فَقَالَ «قِيلُوا فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَا تَقِيلُ» وَنَوْمَةُ الْحُمْقِ بَعْدَ الْعَصْرِ لَا يَنَامُهَا إلَّا سَكْرَانُ أَوْ مَجْنُونٌ.

فَنَوْمُ الصُّبْحَةِ مُضِرٌّ جِدًّا بِالْبَدَنِ لِأَنَّهُ يُرْخِيهِ وَيُفْسِدُ الْفَضَلَاتِ الَّتِي يَنْبَغِي تَحْلِيلُهَا بِالرِّيَاضَةِ.

وَقَالَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مِنْ الْجَهْلِ النَّوْمُ أَوَّلَ النَّهَارِ، وَالضَّحِكُ مِنْ غَيْرِ عُجْبٍ وَالْقَائِلَةُ تَزِيدُ فِي الْعَقْلِ.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شُبْرُمَةَ: نَوْمُ نِصْفِ النَّهَارِ يَعْدِلُ شَرْبَةَ دَوَاءٍ، يَعْنِي فِي الصَّيْفِ انْتَهَى.

(الثَّانِي) : النَّوْمُ أَخُو الْمَوْتِ، وَلِذَا لَا يَنَامُ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَلَكِنَّهُ جُعِلَ لِأَجْلِ رَاحَةِ الْبَدَنِ لِيَنْهَضَ الْإِنْسَانُ بَعْدَهُ إلَى طَاعَةِ رَبِّهِ.

فَقَلِيلُهُ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِهِ. وَيُرْوَى أَنَّ الْمَسِيحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: خَلْقَانِ أَكْرَهُهُمَا النَّوْمُ مِنْ غَيْرِ سَهَرٍ، وَالضَّحِكُ مِنْ غَيْرِ عُجْبٍ، وَالثَّالِثَةُ الْعُظْمَى: إعْجَابُ الْمَرْءِ بِعَمَلِهِ. وَقَالَ دَاوُد لِابْنِهِ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -: إيَّاكَ وَكَثْرَةَ النَّوْمِ فَإِنَّهُ يُفْقِرُك إذَا احْتَاجَ النَّاسُ إلَى أَعْمَالِهِمْ.

وَقَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ إيَّاكَ وَكَثْرَةَ النَّوْمِ وَالْكَسَلَ وَالضَّجِرَ، فَإِنَّك إذَا كَسِلْت لَمْ تُؤَدِّ حَقًّا، وَإِذَا ضَجِرْت لَمْ تَصْبِرْ عَلَى حَقٍّ. وَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهُ: يَا بُنَيَّ لَا تُكْثِرْ مِنْ النَّوْمِ فَإِنَّ النَّوَّامَ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُفْلِسًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>