للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحَاصِلُ هَذَا كُلِّهِ مَنْ كَانَ فِي مَقَامِ الْمُرَاقَبَةِ فِي جَمِيعِ حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ فَكُلُّ حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ قُرُبَاتٌ وَطَاعَاتٌ. فَكَمْ بَيْنَ الْعَارِفِ الْمُتَيَقِّظِ وَالْجَاهِلِ الْغَفْلَانِ مِنْ الْبُعْدِ وَالْبَوْنِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ. وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

مَطْلَبٌ: فِي كَرَاهَةِ النَّوْمِ فَوْقَ سَطْحٍ غَيْرِ مُحَجَّرٍ

وَيُكْرَهُ نَوْمٌ فَوْقَ سَطْحٍ وَلَمْ يُحَطْ ... عَلَيْهِ بِتَحْجِيرٍ لِخَوْفٍ مِنْ الرَّدِي

(وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْغَالِبَ السَّلَامَةُ، وَمَا غَالِبُهُ السَّلَامَةُ لَا يَحْرُمُ فِعْلُهُ وَيَكُونُ النَّهْيُ عَنْهُ لِلْأَدَبِ.

قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَيَتَوَجَّهُ قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ اخْتِلَافُ ذَلِكَ بِالْأَشْخَاصِ وَعَادَاتِهِمْ وَصِغَرِ الْأَسْلِحَةِ وَوُسْعِهَا نَظَرًا لِلْمَعْنَى (نَوْمٌ) مِنْ مُكَلَّفٍ وَلَعَلَّهُ وَتَمْكِينُ وَلِيِّ غَيْرِهِ مِنْهُ (فَوْقَ سَطْحٍ) لِبَيْتٍ وَلَعَلَّ مِثْلَهُ شَاهِقٌ مِنْ الْجِبَالِ حَيْثُ خِيفَ مِنْهُ السُّقُوطُ (وَ) الْحَالُ أَنَّ لِلسَّطْحِ وَنَحْوِهِ (لَمْ يُحَطْ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى جَوَانِبِهِ (بِتَحْجِيرٍ) يَمْنَعُ مِنْ السُّقُوطِ عَنْ الْحَائِطِ. وَالْمُرَادُ بِالتَّحْجِيرِ هُنَا الْحُجْرَةُ الَّتِي تُحَاطُ عَلَى السَّطْحِ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ صَاحِبَهَا النَّائِمَ مِنْ الْوُقُوعِ، لِأَنَّ النَّوْمَ زَوَالُ شُعُورٍ وَعَقْلٍ، وَقَدْ قِيلَ لِلْعَقْلِ حِجْرٌ لِأَنَّهُ يَحْجُرُ عَلَى صَاحِبِهِ الْجَهْلَ لَا يَقَعُ فِيهِ.

إنَّمَا كُرِهَ النَّوْمُ عَلَى السَّطْحِ الَّذِي لَا تَحْجِيرَ عَلَيْهِ (لِ) أَجْلِ (خَوْفٍ) عَلَى النَّائِمِ (مِنْ) الْفِعْلِ (الرَّدِيءِ) أَيْ الْهُبُوطِ وَالسُّقُوطِ وَالتَّرَدِّي عَنْ السَّطْحِ الْمُؤَدِّي إلَى إتْلَافِ السَّاقِطِ غَالِبًا. وَالشَّارِعُ طَبِيبُ الْأَبْدَانِ، وَمُقَوِّمُ الْأَدْيَانِ، فَلِشِدَّةِ شَفَقَتِهِ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ نَهَاهُمْ عَنْ النَّوْمِ كَذَلِكَ وَيَجْرِي كَوْنُ التَّحْجِيرِ مِثْلَ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ.

قَالَ مُثَنَّى: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا تَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَنَامُ عَلَى سَطْحٍ لَيْسَ بِمُحَجَّرٍ؟ قَالَ مَكْرُوهٌ وَيَجْزِيهِ الذِّرَاعُ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ.

أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلِيٍّ يَعْنِي ابْنَ شَيْبَانَ عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَاتَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَيْسَ لَهُ حِجَارٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ» قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا: حِجَارٌ بِالرَّاءِ بَعْدَ الْأَلْفِ.

وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حِجَابٌ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْحِجَارُ جَمْعُ حِجْرٍ بِالْكَسْرِ هُوَ الْحَائِطُ أَوْ مِنْ الْحُجْرَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>