للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا، وَمَا بَطَنَ» وَأَنْشَدَ فِي الْفُرُوعِ

لَا يَأْمَنَنَّ عَلَى النِّسَاءِ أَخٌ أَخَا ... مَا فِي الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ أَمِينُ

إنَّ الْأَمِينَ وَإِنْ تَحَفَّظَ جَهْدَهُ ... لَا بُدَّ أَنْ بِنَظْرَةٍ سَيَخُونُ

قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ رَوْضَةِ الْمُحِبِّينَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنْوَاعًا مِنْ الْغَيْرَةِ مِنْهَا الْمَحْمُودُ وَالْمَذْمُومُ: وَمَلَاكُ الْغَيْرَةِ وَأَعْلَاهَا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: غَيْرَةُ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ أَنْ تُنْتَهَكَ مَحَارِمُهُ وَتَضِيعَ حُدُودُهُ وَغَيْرَتُهُ عَلَى قَلْبِهِ أَنْ يَسْكُنَ إلَى غَيْرِهِ، وَأَنْ يَأْنِسَ بِسِوَاهُ، وَغَيْرَتُهُ عَلَى حُرْمَتِهِ أَنْ يَتَطَلَّعَ عَلَيْهَا غَيْرُهُ.

فَالْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ دَارَتْ عَلَى هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ وَمَا عَدَاهَا، فَإِمَّا مِنْ خِدَعِ الشَّيْطَانِ، وَإِمَّا بَلْوَى مِنْ اللَّهِ كَغَيْرَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

مَطْلَبٌ: فِي ضَرْبِ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ تَأْدِيبًا لَهَا

(وَلَا تَرْفَعَنَّ) نَهْيٌ مُؤَكَّدٌ بِالنُّونِ الثَّقِيلَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْإِرْشَادُ وَالْجَوَازُ (السَّوْطَ) بِالسِّينِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، الْمِقْرَعَةُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَخْلِطُ اللَّحْمَ بِالدَّمِ. وَأَصْلُ السَّوْطِ الْخَلْطُ، وَهُوَ أَنْ تَخْلِطَ شَيْئَيْنِ فِي إنَائِك ثُمَّ تَضْرِبَهُمَا بِيَدِك حَتَّى يَخْتَلِطَا. وَجَمْعُ السَّوْطِ سِيَاطٌ وَأَسْوَاطٌ (عَنْ كُلِّ مُعْتَدٍ) أَيْ ظَالِمٍ مُفْسِدٍ مِنْ أَهْلِك تَأْدِيبًا لَهَا وَرَدْعًا عَنْ ظُلْمِهَا وَفَسَادِهَا، وَلْيَكُنْ ذَلِكَ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ فَأَقَلَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ.

قَالَ عُلَمَاؤُنَا وَغَيْرُهُمْ: إذَا ظَهَرَ مِنْ الزَّوْجَةِ أَمَارَاتُ النُّشُوزِ بِأَنْ تَتَشَاغَلَ أَوْ تُدَافِعَ إذَا دَعَاهَا إلَى الِاسْتِمْتَاعِ أَوْ تُجِيبَهُ مُتَبَرِّمَةً مُتَكَرِّهَةً أَوْ يَخْتَلَّ أَدَبُهَا فِي حَقِّهِ، وَعَظَهَا، فَإِنْ رَجَعَتْ إلَى الطَّاعَةِ وَالْأَدَبِ حَرُمَ الْهَجْرُ وَالضَّرْبُ، وَإِنْ أَصَرَّتْ وَأَظْهَرَتْ النُّشُوزَ بِأَنْ عَصَتْهُ وَامْتَنَعَتْ مِنْ إجَابَتِهِ إلَى الْفِرَاشِ، أَوْ خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ هَجَرَهَا فِي الْمَضْجَعِ مَا شَاءَ، وَفِي الْكَلَامِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا فَوْقَهَا.

فَإِنْ أَصَرَّتْ، وَلَمْ تَرْتَدِعْ فَلَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا فَيَكُونَ الضَّرْبُ بَعْدَ الْهَجْرِ فِي الْفِرَاشِ وَتَرْكِهَا مِنْ الْكَلَامِ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، أَيْ غَيْرَ شَدِيدٍ يُفَرِّقُهُ عَلَى بَدَنِهَا وَيَجْتَنِبُ الْوَجْهَ وَالْبَطْنَ وَالْمَوَاضِعَ الْمَخُوفَةَ وَالْمُسْتَحْسِنَةَ عَشَرَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>