للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَطْلَبٌ: فِي بَيَانِ مَرَاتِبِ بَذْلِ الْمَالِ أَدْوَنِهَا وَأَوْسَطِهَا وَأَعْلَاهَا.

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَأَمَّا بَذْلُ الْمَالِ فَلَهُ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ؛ أَدْوَنُهَا الْمُسَاهَمَةُ؛ وَأَوْسَطُهَا الْمُسَاوَاةُ؛ وَأَعْلَاهَا تَقْدِيمُ الْأَخِ فِي الْمَالِ عَلَى النَّفْسِ.

قَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا: لَقَدْ رَأَيْتنَا وَمَا أَحَدُنَا أَحَقُّ بِدِينَارِهِ وَدِرْهَمِهِ مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ.

ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: هَيْهَاتَ، رَحَلَ الْإِخْوَانُ، وَأَقَامَ الْخُوَّانُ، وَقَلَّ مَنْ تَرَى فِي الزَّمَانِ، إلَّا مَنْ إذَا دُعِيَ مَانَ، كَانَ الْأَخُ فِي اللَّهِ يَخْلُفُ أَخَاهُ فِي أَهْلِهِ إذَا مَاتَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. وَكَانَ الرَّجُلُ إذَا أَرَادَ شَيْنَ أَخِيهِ طَلَبَ حَاجَتَهُ إلَى غَيْرِهِ. ثُمَّ قَالَ: نُسِخَ فِي هَذَا الزَّمَانِ رَسْمُ الْأُخُوَّةِ وَحُكْمُهُ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْحَدِيثُ عَنْ الْقُدَمَاءِ، فَإِنْ سَمِعْت بِإِخْوَانِ صِدْقٍ فَلَا تُصَدِّقْ، انْتَهَى.

وَقَالَ وَهْبُ بْنُ الْوَرْدِ: صَحِبْت النَّاسَ خَمْسِينَ سَنَةً فَمَا وَجَدَتْ رَجُلًا غَفَرَ لِي زَلَّةً، وَلَا أَقَالَنِي عَثْرَةً، وَلَا سَتَرَ لِي عَوْرَةً.

وَقَدْ قَالَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا كَانَ الْعُذْرُ طِبَاعًا فَالثِّقَةُ بِكُلِّ أَحَدٍ عَجْزٌ.

وَقِيلَ لِبَعْضِهِمْ: مَا الصَّدِيقُ؟ قَالَ: اسْمٌ وُضِعَ عَلَى غَيْرِ مُسَمًّى. وَحَيَوَانٌ غَيْرُ مَوْجُودٍ. قَالَ الشَّاعِرُ:

سَمِعْنَا بِالصَّدِيقِ وَلَا نَرَاهُ ... عَلَى التَّحْقِيقِ يُوجَدُ فِي الْأَنَامِ

وَأَحْسَبُهُ مُحَالًا نَمَّقُوهُ ... عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ مِنْ الْكَلَامِ

وَقَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ لِبَعْضِ إخْوَانِهِ: أَقْلِلْ مِنْ مَعْرِفَةِ النَّاسِ، وَأَنْكِرْ مَنْ عَرَفَتْ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ لَك مِائَةُ صَدِيقٍ فَاطْرَحْ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ وَكُنْ مِنْ الْوَاحِدِ عَلَى حَذَرٍ.

وَقَالَ الْبُحْتُرِيُّ:

إيَّاكَ تَغْتَرُّ أَوْ تَخْدَعُك بَارِقَةٌ ... مِنْ ذِي خِدَاعٍ يَرَى بِشْرًا وَإِلْطَافَا

فَلَوْ قَلَّبْت جَمِيعَ الْأَرْضِ قَاطِبَةً ... وَسِرْت فِي الْأَرْضِ أَوْسَاطًا وَأَطْرَافَا

لَمْ تَلْقَ فِيهَا صَدِيقًا صَادِقًا أَبَدًا ... وَلَا أَخًا يَبْذُلُ الْإِنْصَافَ إنْ صَافَى

وَقَالَ آخَرُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>