للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُنْدَبُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلًا وَآخِرًا وَوَسَطًا، وَبَسْطُ يَدَيْهِ وَرَفْعُهُمَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَكَشْفُهُمَا مَعَ تَأَدُّبٍ وَاعْتِرَافٍ بِالذَّنْبِ، وَيَبْدَأُ بِنَفْسِهِ وَلَا يَخُصُّهَا إنْ كَانَ إمَامًا، وَلَا يَدْعُو بِإِثْمٍ وَلَا قَطِيعَةِ رَحِمٍ، وَلَا بِأَمْرٍ قَدْ فَرَغَ مِنْهُ. وَهَذَا مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ: وَأَنْ يَسْأَلَ مَا يَصْلُحُ، وَيَمْسَحَ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

ثُمَّ إنَّ النَّاظِمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَرَّضَ عَلَى بَذْلِ الْجَهْدِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، وَحَثّ عَلَى السَّهَرِ فِي نَيْلِهِ عَوْدًا عَلَى بَدْءٍ فِي قَوْلِهِ أَوَّلَ الْمَنْظُومَةِ: إلَّا مَنْ لَهُ فِي الْعِلْمِ إلَخْ. لِأَنَّ كُلَّ خَيْرٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَطَرِيقُهُ الْعِلْمُ فَقَالَ:

مَطْلَبٌ: فِي الْحَثِّ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ

وَلَا تَسْأَمَنَّ الْعِلْمَ وَاسْهَرْ لَنَيْلِهِ ... بِلَا ضَجَرِ تَحْمَدْ سُرَى اللَّيْلِ فِي غَدِ

(وَلَا تَسْأَمَنَّ) لَا نَاهِيَةٌ وَتَسْأَمَنَّ فِعْلٌ مُضَارِعٌ مُؤَكَّدٌ بِالنُّونِ الثَّقِيلَةِ، أَيْ لَا تَمَلَّنَّ (الْعِلْمَ) تَعَلُّمًا وَتَعْلِيمًا وَحِفْظًا وَمُطَالَعَةً وَكِتَابَةً. يُقَالُ سَئِمَ الشَّيْءَ وَسَئِمَ مِنْهُ كَفَرِحَ سَآمَةً وَسَآمًا وَسَآمَةً وَسَأَمًا: مَلَّ فَهُوَ سَئُومٌ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. وَقَالَ فِي لُغَةِ الْإِقْنَاعِ: سَئِمْت شَيْئًا أَسْأَمُهُ مَهْمُوزٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ سَآمًا وَسَآمَةً بِمَعْنَى ضَجِرَتْهُ وَمَلِلْته.

وَفِي التَّنْزِيلِ {لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ} [فصلت: ٤٩] .

(وَاسْهَرْ) أَيُّهَا الطَّالِبُ لَهُ الرَّاغِبُ فِيهِ لَا عَنْهُ، فَإِنَّهُ لَنْ يَنَالَ الْكَرَامَةَ إلَّا مَنْ قَالَ لِلْكَرَى مَهْ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: سَهِرَ كَفَرِحَ لَمْ يَنَمْ لَيْلًا، وَرَجُلٌ سَاهِرٌ وَسَهَّارٌ وَسَهْرَانُ (لَنَيْلِهِ) أَيْ لِأَجْلِ أَنْ تَنَالَهُ وَتُعْطَاهُ فَإِنَّهُ لَا يُدْرَكُ بِالرَّاحَةِ وَالْأَشَرِ، بَلْ بِالطَّلَبِ وَالسَّهَرِ، فَمَنْ أَلِفَ السُّهَادَ، وَتَرَكَ الْوِسَادَ وَالْمِهَادَ، وَجَابَ الْبِلَادَ، وَحُرِمَ الْأَهْلَ وَالْأَوْلَادَ، نَالَ مِنْهُ الْمُرَادَ. مَنْ طَلَبَ وَجَدَّ وَجَدَ، وَمَنْ قَرَعَ الْبَابَ وَلَجَّ وَلَجَ. وَمَنْ أَلِفَ السَّآمَةَ وَالنَّوْمَ، وَلَمْ يَنَلْ مَا نَالَ الْقَوْمُ. فَإِذَا رَأَيْت نَفْسَك لَا تَنْهَضُ لِنَيْلِ الْعُلُوم، وَلَا تَدْأَبُ فِي إدْرَاكِ الْمَنْطُوقِ مِنْهَا وَالْمَفْهُومِ، فَاعْلَمْ أَنَّك مِمَّنْ اسْتَرْذَلَهُ اللَّهُ وَأَبْعَدَهُ، وَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ وَأَقْعَدَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>