للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وما ذاكَ إلا لأن هذا " المسند " قد حَوَى معظم الحديث النبوي الشريف، المصدر الثاني من مصادر شريعة الإِسلام، فقد جمعه مؤلِّفُه رضي الله عنه وانتقاه ليكون مثابةً للناس وإماماً، وصرَّح بذلك، فقال: عملت هذا الكتاب إماماً، إذا اختلف الناسُ في سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُجع إليه (١) . وهكذا كان، فقد رُزِقَ هذا " المسند " من الشُّهرة والقَبول ما لم ينله كتابٌ آخر من المسانيد.

وقد تجلَّت عنايةُ العلماء به في الوجوه التالية:

[أ- حرصهم على سماعه وقراءته]

فقد كان لدى أئمة علم الحديث رَغْبَةٌ شديدةُ في تحصيل قراءته، والظَّفَر بسماعه، حتى إذا ظَفِر أحدُهم بسماع جزء منه لم يستطِعْ أن يُخفيَ فرحته بتحصيله، فها هو الحافظُ المتقن أبو موسى المديني يقول (٢) : إن مما أنعم الله علينا أن رَزَقَنا سماعَ كتاب " المسند " للإِمام الكبير إمام الدِّين أبي عبد الله أحمد.

ويُصوِّر الحافظ أبو موسى ما كان يَجِدُه المحدث في نفسه من غِبْطَةٍ وفخرٍ إذا وقع له جزء من أجزاء هذا " المسند " فيقول (٢) : ولَعَمْري إن مَن كانَ مِن قَبْلِنا مِن الحفاظ يتبجَّحون بجزء واحد يَقَعُ لهم من حديث هذا الإمام الكبير.

ويستشهد أبو موسى المديني لِقوله هذا بذكر ما قاله أبو محمد المُزَني - وهو بشهادة المديني من الحفاظ الكبار المكثرين - لرجلٍ قَدِم عليه من بغداد كان إقام بها على كتابة الحديث إذ سأله أبو محمد المزنيُّ وذلك في سنة ستٍّ وخمسين وثلاث مئة عن فائدته ببغداد، وعن باقي إسناد العراق،


(١) " خصائص المسند " للمديني ص ٢٢ (طبعة أحمد شاكر في مقدمة الجزء الأول من المسند) .
(٢) في " خصائص المسند " ص ٢٠.