للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأحاديثهم، وهي مشحونة بأبعاض الأحاديث، يذكرون كلَّ بعض منها في بابٍ يخُصُّه، يَسْتدلُّون به على ذلك الباب، كيف والمقْصِدُ الأعظم من ذكر الحديث إنما هو الاستدلال به على الحكم الشرعي؟ .

فإذا ذكر من الحديث ما هو دليل على ذلك الحكم المستخرج منه، فقد حصل الغرض، لكن يبقى الأدب بالمحافظة على ألفاظ الرسول صلوات الله عليه، وإيرادها كما ذكرها وتلفَّظ بها.

والأوْلَوِيَّة درجة وراء الجواز، وما قَصدَ مَن منع الاستعمال إلا الأحْوط والأتْقَى والتَّحَرُّز عن التسامح والتساهل في لفظ الحديث.

[النوع الرابع: انفراد الثقة بالزيادة]

إذا انفرد الثقة بزيادة في الحديث عن جماعة النَّقلة، فإنه تُقبَلُ منه زيادته عند الأكثر، سواء كانت الزيادة من حيث اللفظ، أو من حيث المعنى، لأنه لو انفرد بنقل حديث عن جميع الحفَّاظ قُبِلَ. فكذلك الزيادة (١) .


(١) الذي انتهي إليه ابن الصلاح والنووي، ورجحه الحافظان: ابن حجر والسيوطي أن الزيادة على ثلاثة أنواع، النوع الأول: أن لا تكون منافية لما ليست هي فيه، وحينئذ فهي مقبولة بالاتفاق، لأنها في حكم الحديث المستقل الذي ينفرد به الثقة، ولا يرويه عن شيخه غيره، والنوع الثاني: أن تكون الزيادة مخالفة لما ليست هي فيه، لكن مخالفتها بتقييد المطلق ونحوه، وهذا النوع يترجح قبوله، والنوع الثالث: أن تكون الزيادة منافية لما ليست هي فيه، وهذا النوع مردود غير مقبول. قال الحافظ ابن حجر في " نزهة النظر " ص ١٩: وزيادة راوي الصحيح والحسن مقبولة ما لم تقع منافية لرواية من هو أوثق منه ممن لم يذكر تلك الزيادة، لأن الزيادة إما أن تكون لا تنافي بينها وبين رواية من لم يذكرها، فهذه تقبل مطلقاً، لأنها في حكم الحديث المستقل الذي ينفرد به الثقة ولا يرويه عن شيخه غيره، وإما أن تكون منافية بحيث ⦗١٠٤⦘ يلزم من قبولها رد الرواية الأخرى، فهذه التي يقع الترجيح بينها وبين معارضها، فيقبل الراجح ويرد المرجوح. واشتهر عن جمع من العلماء القول بقبول الزيادة مطلقاً من غير تفصيل، ولا يتأتى ذلك على طريق المحدثين الذين يشترطون في الصحيح أن لا يكون شاذاً، ثم يفسرون الشذوذ بمخالفة الثقة من هو أوثق منه، والعجب ممن غفل عن ذلك مع اعترافه باشتراط انتفاء الشذوذ في حد الصحيح وكذا الحسن، والمنقول عن أئمة الحديث المتقدمين كعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى القطان، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، والبخاري وأبي زرعة، وأبي حاتم والنسائي والدارقطني وغيرهم اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة وغيرها، ولا يعرف عن أحد منهم إطلاق قبول الزيادة، وأعجب من ذلك إطلاق كثير من الشافعية القول بقبول زيادة الثقة مع أن نص الشافعي يدل على غير ذلك.
ولابن حبان صاحب الصحيح في زيادة الثقة رأي له أهميته، ذكره في مقدمة " صحيحه " ١/١٢٠ وهاكه بنصه: وأما زيادة الألفاظ في الروايات، فإنا لا نقبل شيئاً منها إلا عمن كان الغالب عليه الفقه، حتى يعلم أنه كان يروي الشيء ويعلمه حتى لا يشك فيه أنه أزاله عن سننه، أو غيّره عن معناه أم لا، لأن أصحاب الحديث الغالب عليهم حفظ الأسامي والأسانيد دون المتون، والفقهاء الغالب عليهم حفظ المتون وإحكامها، وأداؤها بالمعنى دون حفظ الأسانيد وأسماء المحدثين، فإذا رفع محدث خبراً وكان الغالب عليه الفقه لم أقبل رفعه إلا من كتابه، لأنه لا يعلم المسند من المرسل ولا الموقوف من المنقطع، وإنما همته إحكام المتن فقط، وكذلك لا أقبل عن صاحب حديث حافظ متقن أتى بزيادة لفظ في الخبر، لأن الغالب عليه إحكام الإسناد، وحفظ الأسامي، والإغضاء عن المتون وما فيها من الألفاظ إلا من كتابه. هذا هو الاحتياط في قبول الزيادات في الألفاظ. فتأمل كلام هذا الإمام، فإنه نفيس جداً.

<<  <  ج: ص:  >  >>