للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٦٠١٤ - (م ت) عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: حدَّثني عمرُ بنُ الخطاب قال: «لما كان يومُ بدر نظرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- إلى المشركين وهم ألف، وأصحابُه ثلاثُمائة وتسعةَ عشر رجلاً، فاستقبل نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم- القِبْلَةَ، ثم مدَّ يديه، فجعل يَهْتِفُ بربِّهِ يقول: اللهم أنْجِزْ لي ما وعدتني، اللهم آتِني ما وعدتني، اللهم إن تَهْلِكْ هذه العصابةُ من أهل الإسلام لا تُعبدْ في الأرض، فما زال يهتف بربِّه مادَّاً يديه [مُسْتَقبلَ القبلة] ، حتى سقط رداؤه عن مَنْكِبيه، فأتاه أبو بكر، فأخذ رداءه، فألقاه على منكبيه، ثم التزمه فأخذه من ورائه، وقال: يا نبيَّ الله، كفاك (١) مُنَاشَدَتُك ربَّك، فإنه سَيُنْجِزُ لك ما وعدَك، فأنزل الله - عز وجل -: {إذْ تَسْتَغِيثُون رَبَّكم فَاسْتَجَابَ لكم أني مُمِدُّكم بألف من الملائكة مُرْدِفِين} [الأنفال: ٩] فأمدَّه الله بالملائكة» .

قال سماك: فحدَّثني ابنُ عباس قال: «بينما رجل من المسلمين يومئذ يَشْتَدُّ في أَثَرِ رجل من المشركين أمامه، إذْ سمع ضربة بالسَّوْطِ فوقه، وصوتَ الفارسِ يقول: أقدِمْ حَيْزُوم، إذ نظر إلى المشرك أمامه خَرَّ مُسْتَلْقِياً، فنظر إليه، فإِذا هُوَ قد خُطِم أنفُه وشُقَّ ⦗١٨٤⦘ وجهُه، كضربة السَّوْط، فاخضرَّ ذلك أجمعُ، فجاء الأنصاريُّ، فحدَّث بذلك رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم-، فقال: صدقتَ، ذلك من مَدَدِ السماء الثالثة، فقَتَلُوا يومئذ سبعين، وأَسروا سبعين» .

قال ابنُ عباس: «فلما أَسَروا الأُسَارى، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر وعمر: ما تَروْن في هؤلاء الأُسارى؟ فقال أبو بكر: يا رسولَ الله، هم بَنو العمِّ والعشيرةِ، أرى أن تأخُذَ منهم فدية، فتكون لنا قوَّة على الكفار، فعسى الله أن يهديَهم إلى الإسلام. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: ما ترى يا ابن الخطاب؟ قال: قلتُ: لا والله، يا رسول الله، ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تُمَكِّنَّا، فنضربَ أعناقهم، فتمكِّن عليّاً من عَقيل [فيضربَ عُنقَه] ، وتمكِّني من فلان - نسيباً لعمر - فأضربَ عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدُها، فَهَوِي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- ما قال أبو بكر، ولم يَهْوَ ما قلتُ، فلما كان من الغدِ جئتُ، فإذا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر قاعِدَيْن يبكيان، فقلتُ: يا رسول الله، أخبرني: من أيِّ شيء تبكي أنت وصاحبُك؟ فإن وجدتُ بكاء بَكَيْت، وإن لم أجد بكاء تباكَيْت لبكائكما، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: أبكي للذي عرض عليَّ أصحابُك من أخذهم الفِداءَ، لقد عُرض عليَّ عذابُهم أدنى من هذه الشجرة - لشجرة قريبة من نبيِّ الله - صلى الله عليه وسلم- وأنزل الله عز وجل: {ما كان لِنَبِيٍّ أنْ يكون له أسْرَى حتَّى يُثْخِنَ في الأرض تُرِيدون ⦗١٨٥⦘ عَرَضَ الدُّنيا واللهُ يُريد الآخرةَ وَاللهُ عزيزٌ حكيم. لَوْلا كتابٌ مِن الله سَبَقَ لَمَسَّكُم فِيما أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. فكلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً} [الأنفال: ٦٧ - ٦٩] فأحلَّ الله الغنيمةَ لهم» . أخرجه مسلم.

وأَخرج الترمذي منه إلى قوله: «فأمدَّه الله بالملائكة» .

وأَخرج أبو داود منه طرفاً قال: حدَّثني عمرُ بنُ الخطَّاب قال: «لمَّا كان يومُ بدر، فأخذ - يعني النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -الفِدَاءَ، فأنزلَ الله - عزَّ وجلَّ -: {ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتى يُثْخِنَ في الأرض} - إلى قوله -: {لَمسَّكم فيما أخذتم} من الفِدَاءِ، ثم أحلَّ لهم الغنائمَ» .

أخرج منه هذا القَدْرَ في «باب فداء الأسير» ، ولقلّة ما أخرج منه أثبتناه، ولم نُثْبت له علامة (٢) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(هتف به) : إذا ناداه وصاح به، والمراد به: الدعاء والتضرع في السؤال.

(العصابة) : الجماعة من الناس.

(يُناشده) المناشدة: المسألة والطلب، والابتهال إلى الله تعالى. ⦗١٨٦⦘

(مُردِفِين) أي: متتابعين، يتبع بعضهم بعضاً.

(يشتدّ) الشدُّ: العَدْوُ.

(حَيْزُوم) : اسم فرس من خيل الملائكة الذين أمَدَّ الله بهم المسلمين يوم بدر.

(خُطِم أنفه) الحَطْم - بالحاء المهملة - الدَّقُّ والكسر، وبالخاء المعجمة: الأثر على الأنف، كما يُخْطَم البعيرُ بالكيِّ، يقال: خطمتُ البعير: إذا وسمتَه بكيٍّ في الأنف إلى أحد خديه، والخِطام: السِّمة في عرض الوجه إلى الخدِّ.

(صَنَادِيدِها) الصناديد جمع صِنْدِيد، وهو السيد الشجاع.

(فَهوِيَ) هَوِيت الشيء أهواه: إذا ملت إليه، ورغبت فيه.

(يُثخِن) قوله تعالى {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن} أي: حتى يُكثر فيها القتل، ويتمكَّن منها، وتقوى شوكته.


(١) وفي بعض النسخ: كذلك.
(٢) رواه مسلم رقم (١٧٦٣) في الجهاد، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم، والترمذي رقم (٣٠٨١) في تفسير القرآن، باب ومن سورة الأنفال، ورواه أيضاً أبو داود مختصراً رقم (٢٦٩٠) في الجهاد، باب في فداء الأسير بالمال.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
أخرجه مسلم في المغازي (٢٠) عن هناد بن السري، عن ابن المبارك. و (٢٠) عن زهير بن حرب، عن عمر بن يونس.
كلاهما عن عكرمة بن عمار، عن سماك عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب، وأبو داود في الجهاد (١٣١: ١) عن أحمد بن حنبل، عن أبي نوح، عن عكرمة بن عمار ببعضه: لما كان يوم بدر فأخذ النبي الفداء أنزل الله: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض، (٨/٦٧) بهذه القصة اوالترمذي في التفسير [الأنفال ٩: ٢] عن ابن بشار، عن عمر بن يونس. بالقصة الأولى.. إلى قوله «فأمدهم الله بالملائكة» وقال: حسن صحيح غريب، لا نعرفه من حديث عمر إلا من حديث عكرمة بن عمار، عن أبي زميل. الأشراف (٨/٤٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>