للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الباب الثالث: في بدء الوحي وكيفية نزوله]

٨٨٤٤ - (خ م) عائشة - رضي الله عنها - قالت: «أولُ ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من الوحي: الرؤيا الصالحةُ في النوم، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فَلَق الصبح، ثم حُبِّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حِراء، فيتَحَنَّث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينْزِع إلى أهله، ويتزوَّد لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق - وفي رواية: حتى فجأه الحق - وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: اقرأ، قال: قلت: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغَطّني، حتى بلغ مني الجَهْد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني الثانية، حتى بلغ مني الجَهْد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجَهد، ثم أرسلني فقال: {اقرأ باسم ربك الذي خلق. ⦗٢٧٦⦘ خلق الإِنسانَ مِن عَلَق. اقرأ وربُّك الأكرم. الذي علَّم بالقلم. علَّم الإِنسان ما لم يعلم} فرجع بها رسولُ الله - صلىالله عليه وسلم- يَرْجُف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خُويلد، فقال: زمِّلوني، زمِّلوني، فزمَّلوه حتى ذهب عنه الرَّوْع، فقال لخديجة - وأخبرها الخبر - لقد خشيتُ على نفسي، فقالت له خديجة: كلا، أبشر، فوالله لا يُخزيك الله أبداً، إنك لَتَصِلُ الرحم، وتَصْدُق الحديث، وتحمل الكَلَّ، وتَكسِب المعدوم، وتَقْرِي الضيف، وتُعين على نوائب الحق، فانطلقتْ به خديجة، حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العُزَّى بن قصي - وهو ابن عم خديجة، أخي أبيها - وكان امرءاً تَنَصّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العِبْرانيّ، فكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزَّل على موسى، يا ليتني فيها جَذَعاً، ليتني أكون حَيّاً إِذ يُخْرِجُكَ قومُك، فقال له رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: أوَ مُخْرِجيّ هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت بِهِ إِلا عُودي، وإن يُدْرِكْني يومُك حَياً أنْصُرْك نصراً مُؤَزَّراً، ثم لم يَنْشَبْ ورقة أن تُوُفِّيَ، وفَتَرَ الوَحي» .

قال البخاري: وتابعه هلال بن رَدَّاد عن الزهري، وقال يونس ومعمر: ⦗٢٧٧⦘ «ترجف بوادره» وفي حديث معمر عن الزهري عند مسلم «فوالله لا يحزنك الله أبداً» بالحاء والنون.

وزاد البخاري في رواية أخرى قال: «وفتر الوحي فترة، حتى حزن النبي - صلى الله عليه وسلم- فيما بلغنا - حزناً غدا منه مراراً يَتَردَّى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفَى بِذِرْوَةِ جبل لكي يُلْقِيَ نفسه منه: تبدّى له جبريل، فقال: يا محمد إنك رسولُ الله حقاً، فَيسْكُن لذلك جأشُه وتقر نفسه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدَّى له جبريل، فقال له مثل ذلك» (١) .

وأخرج الترمذي طرفاً من هذا الحديث قالت: «أول ما ابتُدئ بهِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من النبوة حين أراد الله كرامته ورحمة العباد به: أن لا يرى رؤيا إلا جاءَت كفَلَق الصبح، فمكث على ذلك ما شاء الله أن يمكث، وحُبَّب إِليه الخلوة، فلم يكن شيء أحبَّ إليه من أن يخلو» .

هذا القدر أخرجه منه الترمذي، ولقلة ما أخرج منه لم نثبت له علامة (٢) . ⦗٢٧٨⦘

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(التحنُّث) : التعبُّد [وهو] أن يفعل فعلاً يخرج به من الحنث، وهو الإثم.

(نزعت إلى أهلي) أي: رَجعتُ.

(غطَّه) إذا حطه بشدة كما يغطه في الماء إذا بالغ في حطه فيه.

(الجَهْدُ) : بفتح الجيم: المشقَّة، وبضمها: الطاقة، وقيل: هما لغتان.

(زمّلوني) التزميل والتدثير واحد، وهو التغطية والتلفُّف في الثوب.

(الكَلَّ) : الأثقال والحوائج المهمَّةُ والعِيال، وكُلّ ما يتكلَّفه الإنسان من الأحوال، ويحمله عن غيره، فهو كَلّ، وجعل الكَسْبَ لنفسه وأنَّه يصل إلى كلِّ معدوم ويناله، فلا يتعذَّر عليه لتعذره، وقيل: «يكسِبُ المعدوم» أي: يعطي الشيء المعدوم غيره، ويوصله إلى كل من هو معدوم عنده، يقال: كسبت مالاً: وكسّبْتُ زيداً مالاً: أي أعنته على كسبه، ومنهم من عدَّاه بالألف، يقال: أكسبتُ زيداً مالاً، أي: جعلته يكسبه والقول الثاني أولى القولين، لأنه أشبه بما قبله في باب التفضُّل والإنعام، إذا لا إنعام أن يكسب هو لنفسه مالاً كان معدوماً عنده، وباب الحظ والسعادة في الاكتساب غير باب التفضل والإنعام.

(الناموس) : صاحبُ سِرِّ الملك الذي لا يحضر إلا بخير، ولا يُظْهِر إلا الجميل، وسمّي جبريل -عليه السلام- ناموساً، لأنه مخصوص بالوحي والغيب الذي لا يطَّلع عليهما أحدٌ من الملائكة سواه. ⦗٢٧٩⦘

(جَذَعاً) الجذَع هاهنا: كناية عن الشباب، يقول: يا ليتني كنتُ شاباً عند ظهورك لأنصرك وأعينك " نصراً مؤزراً " أي: مؤكَّداً قوياً.

(ترجُف بوادره) تَخْفِق و «بوادره» جمع بادرةٍ، وهي اللحمة تكون بين عنق الإنسان ومنكبه، وكذلك في غير الإنسان.

(يتردَّى) التردَّي: الوقوع من موضعٍ عالٍ.

(الشواهق) : الجبال العالية، الواحد: شاهق.

(أوفَى) : أشرف على الشيء «وذِرْوَة» كل شيء: أعلاه.

(الجأش) : الجنان والقلب.


(١) هذه الزيادة من بلاغات الزهري، كما ذكره الحافظ في " الفتح "، وليست موصولة.
(٢) رواه البخاري ١ / ٢١ - ٢٧ في بدء الوحي، وفي الأنبياء، باب {واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصاً} ، وفي تفسير سورة {اقرأ باسم ربك الذي خلق} ، وفي التعبير، باب أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة، ومسلم رقم (١٦٠) في الإيمان، باب بدء الوحي برسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه أيضاً الترمذي رقم (٣٦٣٦) في المناقب، باب رقم (١٣) .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح:
١- أخرجه أحمد (٦/١٥٣) قال: حدثنا يحيى بن آدم. قال: حدثنا ابن مبارك، عن معمر ويونس. وفي (٦/٢٢٣) قال: حدثنا حجاج. قال: أخبرنا ليث بن سعد. قال: حدثني عقيل بن خالد. وفي (٦/٢٣٢) قال: حدثنا عبد الرزاق.
قال: حدثنا معمر والبخاري (١/٣و٦/٢١٤ و٢١٥و٩/٣٧) قال: حدثنا يحيى بن بكير. قال: حدثنا الليث، عن عقيل. وفي (٤/١٨٤ و٦/٢١٦) قال: حدثنا عبد الله بن يوسف. قال: حدثنا الليث. قال: حدثني عقيل. وفي (٦/٢١٤) قال: حدثني سعيد بن مروان. قال: حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة. قال: أخبرنا أبو صالح سلمويه. قال: حدثني عبد الله، عن يونس بن يزيد. وفي (٦/٢١٦ و٩/٣٧) قال: حدثنا عبد الله بن محمد. قال: حدثنا عبد الرزاق. قال: أخبرنا معمر. ومسلم (١/٩٧ و٩٨) قال: حدثني أبوالطاهر، أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن سرح. قال: أخبرنا ابن وهب. قال: أخبرني يونس (ح) وحدثني محمد بن رافع. قال: حدثنا عبد الرزاق. قال: أخبرنا معمر. (ح) وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث. قال: حدثني أبي، عن جدي، قال: حدثني عقيل بن خالد. والترمذي (٣٦٣٢) قال: حدثنا الأنصاري إسحاق بن موسى، قال: حدثنا يونس بن بكير. قال: أخبرنا محمد بن إسحاق.
أربعتهم - معمر، ويونس بن يزيد، وعقيل بن خالد، وابن إسحاق - عن ابن شهاب الزهري، عن عروة ابن الزبير، فذكره.
*الروايات مطولة ومختصرة وألفاظها متقاربة.

<<  <  ج: ص:  >  >>