للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الباب الثالث في ذِكْر العشرة من الصحابة المقطوع لهم بالجنة (١) رضي الله عنهم

وقبل الشُّروع في ذِكْرهم نبدأ بذِكِرْ مقدِّمة في ذِكْر الصَّحابة ومن يستحق منهم أن يُطلق عليه هذا الاسم، وذِكر مراتبهم، وما قيل في عددهم. فنقول: قد سبق في مقدمة كتابنا هذا إشارة إلى من يُطلق عليه اسم الصَّحابي، ونحن نزيده هاهنا بسطاً.

قيل: إن سعيد بن المسيب كان لا يَعدُّ الصَّحَابيَّ إلا من أقام مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم- سنة أو سنتين، أو غزا معه غزوة أو غزوتين.

وقال غيره: كل من أدرك الحُلْمَ وقد رأى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم- وعقل أمر الدِّين فهو من الصحابة، ولو أنه صحب النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- ساعة واحدة.

وقيل: من صحبه سنة أو شهراً أو يوماً أو ساعة وهو مسلم، كبير أو صغير، فهو صحابيُّ.

والحقّ في ذلك أن اسم الصُّحبة في مقتضى اللُّغة يتناول كل من صحبه زماناً قليلاً كان أو كثيراً، إلا أن العرف المتداول بين الناس أنهم لا يُطلقون لفظ الصّحبة إلَاّ على من عُرِف بصحبة الإنسان ودام معه أو اشتهر بصحبته. كما يقال: عَلْقَمة صاحب ابن مسعود، وأبو يوسف صاحب أبي حنيفة، والمُزَنّي صاحب الشّافعي، والأكثر من العلماء على القول الأول، فيطلقون اسم الصحابي على من أسلم ورأى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- وصحبه ولو أقلَّ شيء حتى أنهم قد عدُّوا جماعة ولدوا على عهد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم- من أبناء الصحابة ولم يَرَوْهُ في الصّحابة، وليس بشيء. ⦗١١٩⦘

وأما مراتب الصَّحابة فعلى الإجمال أن المهاجرين أفضل من الأنصار، وأما على التفصيل فإن جماعة من سُبَّاق الأنصار أفضل من جماعة من متأخري المهاجرين، وإنَّما سُبَّاق المهاجرين أفضل من سُبَّاق الأنصار، ثم هم بعد ذلك متفاوتون، فَرُبَّ متأخر في الإسلام أفضل من متقدِّم عليه، مثل عمر بن الخطاب، وبلال بن رباح.

وقد ذكر العلماء للصحابة ترتيباً على طبقات:

الطبقة الأولى: قوم أسلموا بمكَّة أول البَعْثِ، وهم سُبَّاق المسلمين، مثل خديجة بنت خويلد، وعلي بن أبي طالب، وأبي بكر الصِّدِّيق، وزيد بن حارثة، وبقية العشرة، ومن أسلم أولاً.

قال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري - رحمه الله - (٢) : لا أعلم خلافاً بين أصحاب التَّواريخ أن عليَّ بن أبي طالب أولهم إسلاماً، وإنَّما اختلفوا في بلوغه، وهل كان لما أسلم بالغاً أو صبياً، والذي أجمع عليه المسلمون أن أوّل الناس إسلاماً خديجة زوج النبيِّ - صلى الله عليه وسلم-، ثم قيل: إن أول من أسلم من الرِّجال أبو بكر الصِّدِّيق (٣) ، ومن الصبيان عليّ، ومن العبيد زَيْد.

الطبقة الثانية: أصحاب دار النَّدوة بعد إسلام عمر بن الخطَّاب، حمل النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه من المسلمين إلى دار الندوة، فأسلم لذلك جماعة من أهل مكة.

الطبقة الثالثة: الذين هاجروا إلى الحبشة فِراراً بدينهم من أذى المشركين أهل مكّة، منهم جعفر بن أبي طالب، وأبو سَلَمة بن عبد الأسد.

الطبقة الرابعة: أصحاب العقبة الأولى، وهم سُبَّاق الأنصار إلى الإسلام، وكانوا ستة: أسعد بن زُرَارة، وعوف بن مالك، ورافع بن مالك بن العجلان، وقطبة بن عامر، وعقبة بن عامر بن نابي، وجابر بن عبد الله بن (٤) رِئاب، وليس بجابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام. ⦗١٢٠⦘

وأصحاب العقبة الثانية من العام المقبل، وكانوا اثني عشر وهم: أسعد بن زَرَارَة، وعوف ومعوّذ ابنا الحارث، ورافع بن مالك بن العجلان، وذكوان بن عبد القيس، وعُبادة بن الصَّامت، ويزيد بن ثعلبة، والعبَّاس بن عُبادة بن نضلة، وعقبة بن عامر، وقطبة بن عامر، وشهدها من الأوس حليفان لهم، أبو الهيثم بن التَّيِّهان، وعويم بن ساعدة، وبعض هؤلاء الاثني عشر كانوا من النُّقباء.

الطبقة الخامسة: أصحاب العقبة الثالثة، وكانوا سبعين من الأنصار، منهم البراء بن مَعْرُور، وعبد الله بن عمرو بن حرام، وسعد بن عُبَادة، وسعد بن الرَّبيع، وعبد الله بن رواحة.

والطبقة السادسة: المهاجرون الذين وصلوا إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم- بعد هجرته وهو بـ «قبَاء» قبل أن يبني المسجد وينتقل إلى المدينة.

الطبقة السابعة: أهل بدر الكبرى.

الطبقة الثامنة: الذين هاجروا بين بدر والحُدَيبية.

الطبقة التاسعة: أهل بيعة الرُّضوان الذين بايعوا بالحُدَيبية تحت الشَّجرة.

الطبقة العاشرة: الّذين هاجروا بعد الحُدَيبية وقبل الفتح.

الطبقة الحادية عشرة: الذين أسلموا يوم الفتح، وهم خلق كثير، فمنهم من أسلم طائعاً ومنهم من أسلم كارهاً ثم حَسُنَ إسلام بعضهم دون بعض، والله أعلم بهم.

الطبقة الثانية عشر: صُبيان أدركوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم-، ورأوه يوم الفتح وبعده في حجَّة الوداع، ثم انقطعت الهجرة بعد الفتح على الصّحيح من الأقوال.

وأما عدد أصحاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم- فمن رام حصر ذلك رام أمراً بعيداً، ولا يعلم ذلك حقيقة إلا الله عز وجل لكثرة من أسلم من أول البعث إلى أن مات رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-، وذلك ثلاث وعشرون سنة، أو خمس وعشرون، وأقلُّه عشرون.

وقد ورد أنه سار عام الفتح في عشرة آلاف من المقاتلة، وإلى حنين في اثني عشر ألفاً، وإلى حجّة الوداع في أربعين ألفاً، وإلى تبوك في سبعين ألفاً.

وقد روي أنه قبض رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- عن مائة ألف وأربعة وعشرين ألفاً، والله أعلم بحقيقة ذلك.

والذي جرت به عادة أهل العلم فيما صنَّفوه من كتب أسماء الصحابة أنهم ⦗١٢١⦘ يذكرون إما من اشتهر بالصُّحبة، أو من روى منهم عنه، أو من له ذِكر في حديث، أو بعض من رآه ممن هو مشهور ومعروف، ونحو ذلك من الرجال، والنساء، والصّبيان، والموالي، فهذا ما أردنا أن نبدأ بذِكره قبل ذِكر العشرة، فلنبدأ الآن بذكرهم - رضي الله عنهم -، وأولهم:


(١) وقد أفرد المحب الطبري في مناقبهم كتاباً سماه " الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشرة " وقد طبع الكتاب في حلب بعناية مؤرخ حلب الشيخ محمد الطباخ رحمه الله تعالى.
(٢) والحاكم النيسابوري صاحب " المستدرك " معروف بتشيعه انظر كلامه في كتابه " معرفة علوم الحديث ".
(٣) الصديق: ساقطة من م.
(٤) ابن: ساقطة من م.

<<  <  ج: ص:  >  >>