للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣- استخلافه من كمال نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ورسالته، ومما يظهر أنه رسول الله حقًا، ليس ملكًا من الملوك، فإن عادة الملوك إيثار أقاربهم والموالاة بالولايات أكثر من غيرهم، وكان ذلك مما يقيمون به ملكهم (١) .

فتولية أبي بكر وعمر بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - دون عمه العباس وبني عمه علي وعقيل، وربيعة بن الحارث وأبي سفيان وغيرهم، ودون سائر بني عبد مناف، كعثمان بن عفان، وخالد بن سعيد بن العاص، وأبان بن سعيد وغيرهم من بني عبد مناف الذين كانوا أجل قريش قدرًا وأقرب نسبًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من أعظم الأدلة على أن محمدًا عبد الله ورسوله، وأنه ليس ملكًا حيث لم يقدم في خلافته أحدًا بقرب نسب منه ولا بشرف بيته؛ بل إنما قدم بالإيمان والتقوى.

ودل ذلك على أن محمدًا وأمته من بعده إنما يعبدون الله ويطيعون أمره؛ لا يريدون ما يريد غيرهم من العلو في الأرض، ولا يريدون أيضًا ما أبيح لبعض الأنبياء من الملك؛ فإن الله خير محمدًا بين أن يكون عبدًا رسولاً وبين أن يكون ملكًا نبيًا، فاختار أن يكون عبدًا رسولاً. فإنه لو أقام أحدًا من أهل بيته لكانت شبهة لمن يظن أنه جمع المال لورثته. فلما لم يستخلف أحدًا من أهل بيته ولا خلف لهم مالاً كان هذا ما يبين أنه كان أبعد الناس عن طلب الرياسة والمال، وإن كان ذلك مباحًا، وأنه لم يكن من الملوك الأنبياء بل كان عبد الله ورسوله (٢) .


(١) وانظر بدائع الفوائد لابن القيم جـ ٣/٢٠٧، ٢٠٨ في سر خروج الخلافة عن أهل البيت فيها هذا المعنى أيضًا.
(٢) منهاج جـ ٤/ ١٢٥.

<<  <   >  >>