للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والثالث: الشَّرْحُ مَزْجًا، ويقال له شَرْحُ مَمْزوجٌ، تُمزَجُ فيه عبارة المَتْن والشَّرْح، ثم يُمتاز إما بالميم والشَّيْن، وإما بخَط يُخَطُّ فوقَ المَتْن، وهو طريقة أكثر الشُّرّاح المتأخرين من المحققين وغيرِهم، لكنه ليسَ بمأمون عن الخَلْط والغَلَط.

ثم إنَّ من آداب الشارح وشَرْطه أن يَبْذُل النُّصْرةَ بما (١) قد التزمَ شَرْحُه بقَدْر الاستطاعةِ ويَذُبُّ عمّا قد تَكَفَّل إيضاحَهُ بما يَذُبُّ به صاحب تلك الصناعة ليكونَ شارحًا غير ناقض وجارح ومُفَسّرًا غيرُ مُعْتَرضٍ اللَّهُم إلا إذا عَثَرَ على شيءٍ لا يمكن حَمْله على وجه صحيح فحينئذٍ يَنْبغي أن يُنبه عليه بتعريض أو تصريح مُتَمسكًا بذيل العدل والإنصاف، مُتَجنبًا عن الغي والاعتساف؛ لأنَّ الإنسانَ محل النسيان، والقَلَمُ ليسَ بمعصوم من الطغيان، فكيف بمن جمع المطالب من محالها المتفرقة، وليس كل كتابٍ يَنْقُل المصنف عنه سالما من العيب، محفوظًا له عن ظهر الغَيْب حَتَّى يُلامُ في خَطَيْهِ فينبغي أن يتأدَّبَ عن تَصْرِيح الطَّعْنِ للسَّلفِ مُطلقًا، ويكنّي بمثل: قِيلَ، وظَنَّ ووَهِمَ، واعتَرَض وأجيب، وبعضُ الشَّرّاح، والمُحَشِّى، أو بعض الشروح والحواشي، ونحو ذلك من غير تعيين كما هو دأب الفُضَلاء من المتأخرين، فإنَّهم تأنَّقُوا في أسلوب التَّحْرير، وتأدبوا في الرَّدُّ والاعتراض على المُتَقَدِّمينَ بأمثالِ ما ذُكِرَ تَنْزِيهًا لهُم عما يُفْسِدُ اعتقاد المبتدئين فيهم، وتعظيمًا لحقهم، ورُبّما حَمَلوا هَفَواتِهم على الغَلَط من الناسخين، لا من الراسخين وإن لم يَمْكِن ذلك قالوا: لأنَّهم لفَرْط اهتمامهم بالمُباحثةِ والإفادة لم يَفْرغوا لتكرير النَّظَر والإعادةِ وأجابوا عن لمز بَعْضِهم بأنَّ ألفاظ كذا وكذا ألفاظ


(١) في م: "فيما"، والمثبت من خط المؤلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>