للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلان بعبارته بقولهم: إنا لا نعرف كتابًا ليس فيه ذلك، فإنَّ تصانيف المتأخِّرينَ، بل المُتَقَدِّمين لا تخلو عن مثل ذلك، لا لعدم الاقتدارِ على التغيير، بل حَذَرًا عن تضييع الزمان فيه، وعن مَثَالَبهم بأَنَّهُم عَزَوا إِلَى أَنْفُسِهِم مَا لَيسَ لَهُم بِأَنَّهُ إِن اتفق فهو من تواردِ الخَواطِر، كما في تعاقب الحوافر على الحوافر.

الترشيح الثالث: في أقسام المُصَنِّفين وأحوالهم.

اعْلَم أَنَّ المؤلفين المعتبرة تصانيفهم فريقان:

الأولى (١): مَن له في العِلْم مَلَكةٌ تامةٌ، ودربةٌ كافيةٌ، وتجاربُ وثيقة، وحَدَسٌ صائبٌ، وفَهْمٌ ثاقبٌ، فتصانيفهم عن قوةِ تَبْصرةٍ ونَفَاذِ فِكْرٍ وسَدَاد رأي، كالنَّصير (٢) والعَضُد (٣) والسيد (٤) والسَّعْد (٥) والجلال (٦) وأمثالهم، فإنَّ كلا منهم يجمع إلى تحرير المعاني تهذيب الألفاظ، وهؤلاء أحسنوا إلى النّاسِ كما أحسنَ اللهُ إليهم، وهذه لا يَسْتغني عنها أحد.

والثانية (٧): مَن له ذهنٌ ثاقِبُ، وعِبارةٌ طَلقة، طالع الكُتُبَ فاستخرج دُرَرَها وأحسنَ نَظْمها، وهذه ينتفع بها المبتدئون والمتوسطون. ومنهم من جمعَ وصَنَّفَ للاستفادة لا للإفادة فلا حَجْر عليه، بل يُرْغَب إليه إذا تأهل؛ فإِنَّ العُلماء قالوا: ينبغي للطالب أن يَشْتَغِلَ بالتَّخريج والتصنيف فيما فَهِمَه منه إذا احتاجَ النَّاسُ إليه بتوضيح عِبارته، غير مائل عن المُصْطَلح، مُبَيّنًا مُشْكِلَهُ،


(١) في م: "الأول"، والمثبت من خط المؤلف.
(٢) يعني: نصير الدين الطوسي، محمد بن محمد بن الحسن المتوفى سنة ٦٧٢ هـ.
(٣) يعني: عضد الدين الإيجي، عبد الرحمن بن أحمد المتوفى سنة ٧٥٦ هـ.
(٤) يعني: الشريف علي بن محمد بن علي المعروف بالشريف الجرجاني المتوفى سنة ٨١٦ هـ.
(٥) يعني: سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني المتوفى سنة ٧٩٣ هـ.
(٦) يعني: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة ٩١١ هـ.
(٧) في م: "الثاني"، والمثبت من خط المؤلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>