للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وذكر في الثانية أنّ الخِلافَ بينَهم وبين غيرِهم ثلاثة أقسام:

١ - يرجعُ النِّزاعُ فيه إلى لفظٍ مجرَّد، كتسميتهم صانع العالَم جَوْهرًا معَ تَفْسِيرِهم الجَوْهَر بأنه: الموجود (١) لا في موضوع، ولم يُريدوا به الجَوْهَر المتحيّز. قال: ولسنا نخوض في إبطالِ هذا؛ لأنّ معنى القيام بالنَّفْس إذا صار متَّفَقًا عليه رجع الكلامُ في التعبير باسم الجَوْهر عن هذا المَعْنى إلى البَحْثِ عن اللُّغة، وإِنْ سَوَّغ إطلاقه رَجَع جواز إطلاقه في الشَّرْع إلى المباحث الفقهية.

٢ - ما لا يَصِدِمُ مذهبهم فيه أصلًا من أصول الدين، وليس من ضَرورةِ تصديق الأنبياء والرسل مُنازعتهم فيه، كقولهم: إنّ كسُوفَ القَمَر عبارة عن المحاءِ ضوء القمر بتوسط الأرض بينه وبينَ الشَّمس، والأرضُ كُرةُ والسَّماءُ مُحِيطٌ (٢) بها من الجوانب، وإن كسوفَ الشَّمس: وقوفُ جِرْمِ القَمَر بينَ النَّاظر وبينَ الشَّمس عند اجتماعهما في العُقْدتَيْنِ على دقيقة واحدة. قال: وهذا المعنى أيضًا لسنا نخوضُ في إبطاله إذ لا يتعلَّق به غَرَضٌ ومَن ظَنَّ أنّ المُناظرة فيه من الدين فقد جَنَى على الدِّين وضَعَف أمرَه، فإنّ هذه الأمور تقوم عليها براهينُ هندسيّة لا تبقى معها ريبة، فمن يطّلع عليها ويتحقَّقُ أَدِلَّتها حتى يُخبر بسببها عن وقت الكسوفين وقَدْرِهما ومدة بقائهما إلى الانجلاء. إذا قيل له: إن هذا على خلافِ الشَّرع لم يسترِبْ فيه، وإنما يستريبُ في الشَّرْع، وضَرَرُ الشَّرْع ممَّن يَنصُرُه لا بطريقه أكثرُ من ضَرره ممّن يَطعَنُ فيه بطريقه وهو كما قيل: عدو عاقل خيرٌ من صديق جاهل، وليسَ في الشَّرع ما يناقض ما قالوه، ولو كان تأويله أهوَنَ من مكابرة أمورٍ قَطعيّة، فكم من ظواهِرَ أُوّلت بالأدِلّة القَطْعيّة التي لا تنتهي في الوضوح إلى هذا الحد، وأعظمُ ما يَفرَحُ به


(١) كتب المؤلف في الحاشية: "أي القائم بنفسه الذي لا يحتاج إلى مقوم".
(٢) في م: "محيطة"، والمثبت من خط المؤلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>