للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عندهم موفورةٌ وخصوصًا في عراقِ العجم وما وراءَ النّهر لتوفر عُمرانهم واستحكام الحضارة فيهم، وكذلك يبلغنا لهذا العَهْد أن هذه العلوم الفلسفية ببلاد الفرنجة وما إليها (١) من العُدوةِ الشَّمالية نافقة الأسواق وأنّ رسومها هناك متجدّدة ومجالس تعليمها متعددة. انتهى خُلاصةُ ما ذَكَره ابن خَلدون.

أقول: وكانت سوقُ الفلسفة والحكمة نافقةً في الروم أيضًا بعد الفتح الإسلامي إلى أواسط الدَّولة العُثمانيّة، وكان شَرَفُ الرجُل في تلك الأعصارِ بمقدار تحصيله وإحاطته من العلوم العقليّة والنَّقْلية، وكان في عصرهم فُحول ممَّن جَمَعَ بينَ الحِكمة والشَّريعة كالعلّامة شَمْسِ الدِّينِ الفَنارِيِّ، والفاضل قاضي زادَه الرومي، والعلّامة خواجه زادَه، والعلامة علي قوشجي، والفاضل ابن المؤيَّد، وميرم جَلَبي، والعلّامة ابن كمال، والفاضل ابن الحِنَّائي، وهو آخِرُهم. ولمّا حَلَّ أوانُ الانحطاط رَكَدت ريحُ العُلوم وتناقصت بسببٍ مَنْع بعض المُفْتِينَ عن تَدريس الفلسفة وسَوْقهِ إِلى دَرْس "الهداية" و "الأكمل"، فانْدرَست (٢) العُلوم بأسرها إلا قليلا من رسُومِه، فكان المؤلى المذكور سببًا لانقراض العلوم من الرُّوم كما قال مَوْلانا الأديب شهاب الدين في خبايا الزوايا، وذلك من جملة إمارة انحطاطِ الدَّولة كما ذَكَره ابن خَلدون والحكم الله العلي العظيم.

ونقل النديم في الفهرس (٣) أنه كانت الحكمة في القديم ممنوعا منها إلا من كان من أهلها ومن عُلم أنه يتقبَّلُها طبعا، وكانت الفلاسفة تنظر إِلَّا في مواليد من يريدُ الحِكمة والفلسفة: فإنْ عَلِمت منها أنّ صاحبَ المولِد في مولده حصول ذلك استَخْدَموه وناوَلوه الحكمة وإلّا فلا، وكانت الفلسفة


(١) في م: "يليها"، والمثبت من خط المؤلف، وهو الموافق لما في المقدمة.
(٢) في الأصل: "فاندرس".
(٣) الفهرست، ص ٢٩٩ (ط. دار المعرفة).

<<  <  ج: ص:  >  >>