للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إمّا مُجيبٌ يَحفَظ وضعًا أو سائل يهدِمُ وضعا، وقد سبق في علم الجدل. وذكر ابن خَلدون في "مقدمته" (١) أنّ الفقة المُستنبط من الأدلة الشرعيَّة كَثُر (٢) فيه الخلافُ بين المجتهدين باختلاف مداركهم وأنظارِهم خلافًا لا بدَّ من وقوعه واتَّسع في المِلَّة اتساعًا عظيما، وكان للمقلدين أن يُقلّدوا من شاءوا ثم لما انتهى ذلك إلى الأئمة الأربعة، وكانوا بمكان من حُسن الظنِّ، اقتصر النَّاسُ على تقليدهم، فأُقيمت هذه الأربعةُ أصولا للمِلَّة وأُجريَ الخلاف بين المتمسكين بها مجرى الخلاف في النصوص الشرعية، وجَرَت بينَهم المناظراتُ في تصحيح كل منهم مذهب إمامه يجري على أَصُولٍ صحيحة ويحتج بها كل على صحة مذهبه، فتارة يكونُ الخلاف بين الشافعي ومالك وأبو حنيفة يوافق أحدهما، وتارةً بين غيرهم كذلك. وكان في هذه المناظرات بيانُ مَأْخَذ هؤلاء فيُسمَّى بالخلافيَّات، ولا بُدَّ لصاحبه من معرفة القواعد التي يُتوصل بها إلى استنباط الأحكام كما يحتاج إليها المجتهد، إلا أن المجتهد يحتاج إليها للاستنباط، وصاحب الخلاف يحتاج إليها لحفظ تلك المسائل من أن يَهدِمَها المُخالف بأدِلَّتِه. وهو علم جليل الفائدة. وكتُبُ الحَنَفِيَّة والشّافعيّة أكثر من تأليف المالكيَّة؛ لأنّ أكثرهم أهل المغربِ وهو بادية، وللغَزَّاليِّ فيه كتاب "المأخَذ"، ولأبي بكر ابن العربي - من المالكية - كتاب "التلخيص" جلبه من المشرق، ولأبي زيد الدبوسي كتاب "التَّعليقة"، ولابن القصّار - من المالكية - "عيون الأدلة". انتهى.

ومن الكتب المؤلفة أيضًا: المنظومةُ النَّسَفيّة (٣).


(١) المقدمة، ص ٥٧٧.
(٢) في م: "كثير"، والمثبت من خط المؤلف، وهو الموافق لما في المقدمة.
(٣) يأتي في حرف الميم "منظومة النسفي".

<<  <  ج: ص:  >  >>