للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التقسيم الرابع: ما ذَكَرَهُ صاحب "شفاء المتألم" (١) وهو أنَّ كلَّ عِلْم إما أن يكون مَقْصودًا لذاته أو لا، والأول العلوم الحِكْمية، وهي إما أن تكون مما يُعلم لتُعْتَقَد فالحِكْمةُ النَّظَريّة، أو مما يُعْلَم ليُعْمَل بها فالحِكْمَة العَمَليّة.

والأوّلُ يَنْقسم إلى أعلى وهو العلم الإلهي، وأدْنَى وهو الطَّبيعي، وأوسَط وهو الرياضي؛ لأنَّ النَّظَرَ إِمّا في أمُورٍ مُجَرَّدة عن المادة أو في أمورٍ ماديّةٍ في الذَّهْنِ والخارج فهو الطَّبيعي، أو في أمورٍ يَصحُ تجرُّدُها عن المواد في الذهن فقط فهو الرياضي، وهو أربعة أقسام؛ لأنَّ نَظَر الرياضي إما أن يكونَ فيما يُمكن أن يُفْرَض فيه أجزاء تتلاقى على حَدٍّ مُشْتَرك بينهما أو لا، وكلُّ منهما إما قارِّ الذات أو لا، والأوّلُ: الهَندسة، والثاني: الهيئة، والثالث: العدد، والرابع: الموسيقى.

والحِكْمَةُ العَمَليةُ قِسْمان: علم السِّياسة، وعِلْمُ الأخلاق؛ لأنَّ النَّظر إمّا مُختصٌّ بحالِ الإنسان أو لا. الثّاني هو الأوّلُ.

وأيضًا النَّظَر فيه إمّا في إصْلاح كافةِ الخَلْقِ في أمور المعاش والمَعَادِ، فذلك يرجع إلى عِلْم الشَّريعة، وعُلُومُها مَعلومة، وإما من حيث اجتماع الكلمة الإجماعيّة وقيام أمر الخَلْق فهو الأحكام السلطانية أي السياسية (٢)، فإن اختَصَّ بجماعةٍ مُعَينةٍ فهو تَدْبيرُ المَنْزل، والثاني وهو ما لا يكون مَقْصودًا لذاته بل آلة يُطْلَبُ بها العِصْمة من الخطأ في غيرها فهو إمّا ما تُطلب عن الخطأ فيه من المعاني، أو ما يُتَوَكَّلُ به إلى إدراكها من لَفْظٍ أو كتابةٍ،


(١) هو عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن أحمد المعروف بابن غانم المقدسي المتوفى سنة ٨٥٦ هـ، وعنوان كتابه الكامل: "شفاء المتألم في آداب المعلم والمتعلم"، وسيأتي ذكره في موضعه من هذا الكتاب، ولم نقف عليه.
(٢) في م: "السياسة"، والمثبت من خط المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>